تأتي إلى البئر وأنت تحمل جرّة ماء لتستقي، فتتفاجأ بأنّ يسوع يطلب منك أن تسقيه لأنّه عطشان إليك أكثر من الماء! والحقّ يُقال إنّك لم تكن قاصدًا إيّاه، على عكس ما فعل هو إذ انتظرك عند حافّة البئر.
تأتي إلى البئر وقد انتصف النهار، فترى أنّ يسوع لا يبحث عن الفيء ليستظلّ به، بل يبحث أن يبقى معك في ظلّك، حتّى تأنس إليه، إلى درجة تنسى معها حرّ النهار وتلتمس منه ندى الروح الذي ينعشك.
تأتي إلى البئر ويسوع وحيد هناك، فتكتشف أنّك وحيد من دونه، وتراه واحدًا معك، ضنينًا عليك، باحثًا عنك، طالبًا إيّاك.
تأتي إلى البئر في وقت لن تلتقي فيه أحدًا، فتلتقي يسوع ويحدّثك عن عالم الله وجمال البشر فيه وكيف يمكنك أن تدخل إليه ويصير عالمك.
تأتي إلى البئر وأنت تظنّ أنّك تعبد الله حقًّا، فينكشف أمامك سرّ مَن يقودك إلى الله ويضعك في طريقه من بعد أن تنكشف له أنت بسيرتك الملتوية فيصلحها لتنطلق في رحاب سيرتك المستقيمة.
تأتي إلى البئر وأنت إنسان خاطئ، فتأخذها من يسوع أجمل وأبهى ممّا كنتَ تنتظر أو تعتقد أو تتخيّل، فتترك إنسانك القديم وراءك، وتأخذ هذه الواقعة حجّة تصطاد بها آخرين ليطلبوا لأنفسهم الإنسان الجديد.
تأتي إلى البئر وأنت تبحث عن ماء شرب، فتذهب من عند يسوع ممتلئًا عرفانًا، وشاهدًا للتغيير الذي تحدثه يمين العليّ التي لامست حياتك؛ وتروي سواك ممّا ارتويتَ، وتروي لسواك مسيرة حياتك الجديدة.
تأتي إلى البئر فاقد البوصلة في حياتك، فتعود أدراجك من عند يسوع وأنتَ تقدّم إلى أترابك البوصلة التي هدتك إلى الحياة.
تأتي إلى البئر خالي الوفاض، فتذهب من عند يسوع حاملًا إيّاه وكارزًا به إلى أترابك وإخوتك.
هكذا خبرت السامريّة لقاءها بالمسيح عند البئر ونقلته إلى أهل سوخار. فتحتْ باب قلبها ليسوع، ففتح لها باب الحياة، فصارت حيّة به. استنارت هي فأنارت معها سواها، فصارت منارة له. قامت هي فأقامت معها سواها، فصارت الرافعة إليه. دعاها إليه، فدعت إليه سواها، فصارت كاروزًا بالنعمة.
في حادثة اهتداء السامريّة، ينكشف لنا شخص يسوع تحت نور جديد. ففي بدء اللقاء، ظنّت السامريّة أنّ يسوعَ عطشان لطلبه منها أن تسقيه ماء، لكنّه قادها بطريقته إلى أن تطلب هي ماء الحياة الذي يعطيه هو. وفي نهاية المطاف، ظنّ التلاميذ أنّ يسوعَ جائع، فسألوه أن يأكل، لكنّه قادهم بطريقته إلى الطعام الحقيقيّ الذي يبحث عنه، ألا وهو أن يعمل مشيئة الآب ويتمّ عمله. بالإشارة إلى حالتَي العطش والجوع، قادنا يسوع مع السامريّة ومع تلاميذه إلى الفرح الكامن بارتواء العطشان وشبع الجائع عبر إلقائه الضوء على تحقيق مشيئة الله بينما هو سائر بيننا، سواء في معاينته الحقل الذي يحتاج إلى زرع، أو في معاينته الحقل الذي يحتاج إلى حصاد، وذلك عبر تسطيره الحاجة إلى إعداد فعلة يقومون بدور الزارع ودور الحاصد.
لا شكّ في أنّ فرح يسوع هو الذي انعكس في حياة السامريّة أوّلًا، ثمّ في حياة أهل سوخار، وأخيرًا في حياة التلاميذ الذين كانوا شهودًا على قيامة كهذه، حيث لم يتوقّع أحد شيئًا البتّة: فالحكاية ابتدأت باستغراب السامريّة كيف أنّ يهوديًّا يحادث امرأة سامريّة، ثمَّ باستغراب التلاميذ كيف أنّ يسوع يحادث امرأة، وأخيرًا باستغراب أهل سوخار كيف استدرجتهم السامريّة إلى المسيح بكشفه لها سيرتها القديمة (يوحنّا ٤: ٩، ٢٧ و٣٩).
خلف هذا الفرح وحدة عزيزة على قلب يسوع. فهذا الفرح يعزّز جمع شمل المتفرّقين، ويعزّز وحدة الزارع والحاصد بربّ الحصاد. فكيف يمكننا أن نكون متقبّلين هذه الكلمة ومعاونين في نشرها ومشاركين في حصيلتها؟ هل من سامريّة عطشى بيننا تكون هي الفاتحة لمثل هذه الخيرات؟ وهل من سوخار جديدة تلبّي النداء؟ وهل من تلاميذ يتجدّدون بإصغائهم إلى يسوع وعمل مشيئته؟ فأين أنتِ إذًا أيّتها البئر حتّى نأتي إليك؟
+ سلوان مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: أعمال الرسل ١١: ١٩-٣٠
في تلك الأيّام لمّا تبدّد الرسل من أجل الضيق الذي حصل بسبب إستفانُس، اجتازوا إلى فينيقية وقبرس وأنطاكية وهم لا يُكلّمون أحدًا بالكلمة إلّا اليهود فقط. ولكنّ قومًا منهم كانوا قبرسيّين وقيروانيّين. فهؤلاء لمّا دخلوا أنطاكية أخذوا يكلّمون اليونانيّين مبشّرين بالربّ يسوع. وكانت يد الربّ معهم، فآمن عدد كثير ورجعوا إلى الربّ. فبلغ خبر ذلك إلى آذان الكنيسة التي بأورشليم، فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية. فلمّا أقبل ورأى نعمة الله، فرح ووعظهم كلّهم بأن يثبتوا في الربّ بعزيمة القلب، لأنّه كان رجلًا صالحًا ممتلئًا من الروح القدس والإيمان. وانضمّ إلى الربّ جمعٌ كثير. ثمّ خرج برنابا إلى طرسوس في طلب شاول. ولمّا وجده أتى به إلى أنطاكية. وتردّدا معًا سنة كاملة في هذه الكنيسة وعلّما جمعًا كثيرًا، ودُعي التلاميذ مسيحيّيـن في أنطاكية أوّلًا. وفي تلك الأيّام انحدر من أورشليم أنبياء إلى أنطاكية. فقام واحد منهم اسمه أغابوس فأنبأ بالروح أنْ ستكون مجاعة عظيمة على جميع المسكونة. وقد وقع ذلك في أيّام كلوديوس قيصر. فحتم التلاميذُ بحسب ما يتيسّر لكلّ واحد منهم أن يُرسلوا خدمة إلى الإخوة الساكنين في أورشليم. ففعلوا ذلك وبعثوا إلى الشيوخ على أيدي برنابا وشاول.
الإنجيل: يوحنّا ٤: ٥-٤٢
في ذلك الزمان أتى يسوع إلى مدينة من السامرة يقال لها سوخار بقرب الضيعة التي أعطاها يعقوب ليوسف ابنه. وكان هناك عين يعقوب. وكان يسوع قد تعب من المسير، فجلس على العين وكان نحو الساعة السادسة. فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماءً. فقال لها يسوع: أَعطيني لأشرب- فإنّ تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا- فقالت له المرأة السامريّة: كيف تطلب أن تشرب منّي وأنت يهوديّ وأنا امرأة سامريّة، واليهود لا يُخالطون السامريّين؟ أجاب يسوع وقال لها: لو عَرفتِ عطيّة الله ومَن الذي قال لك أعطيني لأشرب لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماءً حيًّا. قالت له المرأة: يا سيّد إنّه ليس معك ما تستقي به والبئرُ عميقة، فمن أين لك الماء الحيّ؟ ألعلّك أنت أعـظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر ومنها شرب هو وبنوه وماشيته؟ أجاب يسوع وقال لها: كلّ من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا، وأمّا من يشرب من الماء الذي أنا أُعطيه فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أُعطيه له يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبديّة. فقالت له المرأة: يا سيّد أَعطني هذا الماء كيلا أعطش ولا أَجيء إلى ههنا لأَستقي. فقال لها يسوع: اذهبي وادعي رَجُلَك وهلُمّي إلى ههنا. أجابت المرأة وقالت: إنّه لا رجُل لي. فقال لها يسوع: قد أحسنتِ بقولك إنّه لا رجل لي. فإنّه كان لك خمسة رجال، والذي معك الآن ليس رجُلك. هذا قلته بالصدق. قالت له المرأة: يا سيّد أرى أنّك نبيّ. آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إنّ المكان الذي ينبغي أن يُسجد فيه هو في أورشليم. قال لها يسوع: يا امرأة صدّقيني، إنّها تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون فيها للآب. أنتم تسجدون لِما لا تعلمون ونحن نسجد لما نعلم، لأنّ الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعة وهي الآن حاضرة إذ الساجدون الحقيقيّون يسجدون للآب بالروح والحقّ، لأنّ الآب إنّما يطلب الساجدين له مثل هؤلاء. الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحقّ ينبغي أن يسجدوا. قالت له المرأة: قد علمتُ أنّ مسيّا الذي يُقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك فهو يُخبرنا بكلّ شيء. فقال لها يسوع: أنا المتكلّم معك هو. وعند ذلك جاء تلاميذه فتعجّبوا أنّه يتكلّم مع امرأة. ولكن لم يقلْ أحد ماذا تطلب أو لماذا تتكلّم معها. فتركت المرأة جرّتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس: تعالوا وانظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلتُ. ألعلّ هذا هو المسيح؟ فخرجوا من المدينة وأَقبلوا نحوه. وفي أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين: يا معلّم كلْ. فقال لهم: إنّ لي طعامًا لآكُل لستم تعرفونه أنتم. فقال التلاميذ في ما بينهم: ألعلّ أحدًا جاءه بما يأكل؟ فقال لهم يسوع: إنّ طعامي أن أعمل مشيئة الذي أَرسلني وأُتمّم عمله. ألستم تقولون أنتم إنّه يكون أربعة أشهر ثمّ يأتي الحصاد؟ وها أنا أقول لكم: ارفعوا عيونكم وانظروا إلى المَزارع إنّها قد ابيضّت للحصاد. والذي يحصد يأخذ أُجرة ويجمع ثمرًا لحياة أبديّة لكي يفرح الزارع والحاصد معًا. ففي هذا يَصدُق القول إنّ واحدًا يزرع وآخر يحصد. إنّي أرسلتُكم لتحصدوا ما لم تتعبوا أنتم فيه. فإنّ آخرين تعبوا وأنتم دخلتم على تعبهم. فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريّين من أجل كلام المرأة التي كانت تشهد أن: قال لي كلّ ما فعلتُ. ولمّا أتى إليه السامريّون سألوه أن يُقيم عندهم، فمكث هناك
يومين. فآمن جمع أكثر من أولئك جدًّا مـن أجل كلامه. وكانوا يقولون للمرأة: لسنا من أجل كلامكِ نؤمن الآن، لأنّا نحن قد سمعنا ونعلم أنّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّصُ العالم.
Raiati Archives