...

كلمة الراعي المخاض الأليم والواعد

منذ تجسّد المسيح وبدأ بشارته العلنيّة وضعنا الإنجيل في مخاض أليم وواعد بآن. فقول النبيّ الذي تبنّاه الإنجيليّ مرقص عن شخص المعمدان على ضوء التجسّد: «ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيّئ طريقك قدامك» (١: ٢) يضعنا في سياق انتقال من واقع إلى آخر يهيّئ فيه المعمدان أترابه لاستقبال المسيح واقتباله مخلّصًا.

لا شكّ في أنّ هذا السياق التاريخيّ الذي استهلّ به مرقس إنجيله لم يفقد حيويّته وآنيّته اليوم بالنسبة إلينا، وإن كان الدور التاريخيّ الذي اضطلع به المعمدان حينها انتهى مع ابتداء يسوع بشارته العلنيّة. هذا لأنّه لا يمكن أن نكون تلاميذ المسيح وأخصّاءه إلّا إذا احترمنا الشرط الذي تمثّله دعوة يوحنّا المعمدان بالنسبة إلى أترابه: الاعتراف بالخطايا والتوبة عنها، وانتظار استعلان مَن يسكب نعمة الروح القدس الغافرة والمحرّرة والمحيية.

أشار مرقس بحقّ إلى هذا الواقع الجديد عندما افتتح إنجيله بهذه العبارة: «بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله» (١: ١). إذا كان «المكتوب يُقرأ من عنوانه»، كما يقول المثل الشعبيّ، فهذا يعني أنّنا أمام بشرى ما بعدها بشرى، لأنّ الربّ نفسه هو منطلقها ومضمونها، من جهة، ونحن مداها ومرماها، من جهة أخرى. أمام هذا الـمُعطى الإلهيّ-الإنسانيّ، الذي لا يمرّ عليه الزمن مهما طال، لا يسعنا سوى أن نأخذ مأخذ مرقس في تبنّيه قول النبيّ في حديثه عن المعمدان: «أعدّوا طريق الربّ اصنعوا سبله مستقيمة» (١: ٣).

أن يطلّ الله على الإنسان بشخص يسوع المسيح هي البشرى، بامتياز، في التاريخ البشريّ كلّه. فإن شاء المرء أن يذهب إلى هذا اللقاء لا بدّ له من أن يعيد النظر بنفسه. فلقاء كهذا يتطلّب جهوزيّة داخليّة تضع المرء في سياق البشرى المسيحيّة: الحياة الحقيقيّة مع الله ومع القريب. وهذا يعني انتقالًا على مستويات عدّة: من الاعوجاج إلى الاستقامة، من الانحدار إلى النهوض، من الركود إلى الحيويّة، من الغشاوة إلى الوضوح، من الضلال إلى الحقّ، من الإحباط إلى الرجاء، من الهروب إلى المواجهة، من الضياع إلى الوعي، من الشرّ إلى الصلاح، من العداوة إلى المصالحة، من الكذب إلى الصدق. إنّه انتقال إلى الإيمان بيسوع المسيح إلهًا ومخلّصًا.

هكذا يصير طريق القلب مفتوحًا لاقتبال الروح القدس وعمله المحيي في حياتنا. هذا هو ما نترجّاه لأنفسنا ونحن على أبواب الاحتفال بعيد الظهور الإلهيّ، حينما نزل الروح بهيئة حمامة على المعتمد في الأردنّ، وسُمع صوت من السماء يقول: «هذا ابني الحبيب الذي به سُررتُ» (مرقس ١: ٩-١١). هذا اقتبلناه في جرن المعموديّة ونحن مدعوّون اليوم إلى أن نعمل على أن يكون واقعًا معيوشًا ومستمرًّا فينا. هكذا تصير دعوة المعمدان التاريخيّة تلك دعوة إلينا اليوم تحمل في طيّاتها ما لم يطاله الزمن: عمل الله المستمرّ لخلاص الإنسان يومًا بعد يوم.

صوت المعمدان صارخ اليوم وهو يدعونا إلى تعرية ذواتنا أمام الربّ لكي يغسلها ويعطينا إيّاها من جديد، فنبرأ من كلّ داء ونتعافى، ونصبح أصحّاء وعقلاء، أحرارًا من قيد الأهواء والشرّ والشيطان. اليوم يوم إعلان هذا الإنجيل إلينا، ينقلنا، عبر مخاض أليم، إلى عيش شفائنا وخلاصنا منذ الآن. إنّه مخاض واعد بتضافر إرادة الإنسان وتواضعه مع عمل الروح القدس. ألا كان نصيبنا كنصيب يسوع في الأردنّ لأنّ هذه هي إرادة الله من جهتنا!

سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: ٢ تيموثاوس ٤: ٥-٨

يا ولدي تيموثاوس تيقّظ في كلّ شيء واحتمل المشقّات واعمل عمل المبشّر وأوفِ خدمتك. أمّا أنا فقد أُريق السكيبُ عليّ ووقت انحلالي قد اقترب. وقد جاهدتُ الجهاد الحَسَن وأتممتُ شوطي وحفظت الإيمان. وإنّما يبقى محفوظًا لي إكليل العدل الذي يُجْزيني به في ذلك اليوم الربّ الديّان العادل، لا إيّاي فقط بل جميع الذين يحبّون ظهوره أيضًا.

 

الإنجيل: مرقس ١: ١-١٨

بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله كما هو مكتوب في الأنبياء: ها أنذا مرسل ملاكي أمام وجهكَ يهيّئ طريقك قدامك. صوتُ صارخ في البرّيّة أعدّوا طريق الربّ، اجعلوا سبله قويمة. كان يوحنّا يعمّد في البرّيّة ويكرز بمعموديّة التوبة لغفران الخطايا. وكان يخرج إليه جميع أهل بلد اليهوديّة وأورشليم فيعتمدون جميعهم منه في نهر الأردنّ معترفين بخطاياهم. وكان يوحنّا يلبس وبر الإبل، وعلى حَقَويه منطقة من جلد، ويأكل جرادًا وعسلاً برّيًّا. وكان يكرز قائلًا: إنّه يأتي بعدي من هو أقوى منّي، وأنا لا أستحقّ أن أنحني وأحلّ سَيْر حذائه. أنا عمّدتكم بالماء، وأمّا هو فيعمّدكم بالروح القدس.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

المخاض الأليم والواعد