اليوم، في غمرة القيامة، نتذكّر لقاء السيّد مع توما. بعد أن ظهر يسوع للتلاميذ في اليوم الأوّل من الأسبوع – ولم يكن توما معهم – ظهر في اليوم الثامن، أي في مثل هذا اليوم، وكان توما مع التلاميذ ولكنّه شكّ في حقيقة القيامة.
توما وجه يمثّل الكثيرين منّا، ولعلّه يمثّل الكلّ، وكأنّ الإيمان والشكّ مترافقان في الحياة. ضدّ الإيمان جحود كائن أو إلحاد. الشكّ يصعد من شهواتنا إلينا ويجعلنا غير مؤمنين، غير مقبلين إلى المسيح إقبالاً كلّيًّا. أن يكون الإنسان مؤمنًا هو أن يعتبر الله مأمنه. في الإنسانيّة حالات اضطراب، كلّ منّا يفتّش عن مأمن. ما دام الإنسان يخشى الموت فهو يصطنع قوّات أمن تحفظه من الموت المداهم، ولكنّ الموت الكبير هو الموت الروحيّ، هو موت النفس بالخطيئة في سيّئاتها وهي تحاول النهوض ولا تنهض، فتسقط يومًا بعد يوم، وتجدّد العزم على المضيّ مع السيّد، ولكنّها لا تمضي فتتخلّف عن مسايرة يسوع. النفس تسلّم ذاتها للسيّد ولكنّ العاصفة تهبّ فيها، وهي تسمع النوء فتغرق.
إنّه جهد يوميّ، جهاد مضنٍ، دائم، أن نكون دائمًا شاخصين إلى يسوع بحيث لا يتجاذبنا هوى، وبحيث لا نعود إلى الوراء بعد أن وضعنا يدينا على المحراث.
توما كان صورة عن كلّ منّا، وقيمته في تاريخ الخلاص أنّ شكّه ثبّت قيامة المسيح، ثبّت إيماننا بهذه القيامة. وشكّه يضطرّنا إلى الرجوع إلى القيامة إذ لا مهرب لنا من خطيئتنا إلاّ إلى وجه السيّد المضيء. مهما قمنا بمحاولات لننهض فلن نستطيع شيئًا، لا نستطيع إلاّ أن نسلّم النفس إلى يسوع بصورة كاملة. عندئذ فقط ينيرنا هو ويدخل إلى النفس ويطهّرها من ويلاتها ويرفعها من كبوتها. المسيح يجلس في قاع النفس، يمتدّ في النفس البشريّة، وإذا أخذ مكانه فلا يبقى مكان لآخر. وعندئذ نحن في النور ونحن متغلّبون على الشكوك.
هذا ما تؤكّده لنا الكنيسة في الصلاة: نرتّل في صلاة السَحر: «إنّ التلاميذ لمّا كانوا مشكّكين، وافى المخلّص إلى حيث كانوا مجتمعين بعد ثمانية أيّام وأعطاهم سلامًا، وهتف بتوما: هلمّ أيّها الرسول فتّش الكفّين اللتين ثُقبتا بالمسامير. فيا لمستطرف عدم تصديق توما إذ أقبل بقلوب المؤمنين إلى المعرفة وهتف بخوف: ربّي وإلهي …
يا له من عجب معجز لأنّ عدم الإيمان صار تأكيدًا للإيمان لأنّ توما قال: إن لم أبصر فلا أصدّق. فلمّا فتّش الجنب نطق بلاهوت المتجسّد الذي هو ابن الله، وعرف أنّه تألّم بالبشرة، وهتف كارزًا بالإله الناهض، وصرخ بنغمة جهيرة ربّي وإلهي المجد لك».
تقول لنا الكنيسة: نحن نؤمن بسبب شكّ توما ونؤمن بسبب عودته. هذا هو الأمر المهمّ وبسببه نحن نعيش. نعيش لأنّ واحدًا قام وتاليًا فنحن سنقوم معه. نحن قائمون الآن من الخطيئة ومن الفساد، قائمون بالحرّيّة في اليقين وفي الحبّ. هذه هي القيامة. نحن قائمون ونعلم أنّنا غالبون للخطيئة، للاضطراب، للفساد، للعزلة، نحن قائمون لأنّ جسد الربّ ودمه ينغرسان فينا بالمناولة المقدّسة. جسدنا المائت يُبعث حيًّا لأنّ جسد الله إذا وُضع فينا لا يفنى. نحن نقوم لأنّنا نتناول جسد الربّ ودمه، وإذا وُضعت جثّتنا في القبر فجسد الربّ الذي كان غذاءنا لا يفنى. جسد الربّ الذي فينا هو يبعثنا من القبر، وبسببنا يقوم العالم
بأسره لأنّنا نحن في العالم خميرة تخمّر العجين كلّه. فما أظرف عدم تصديق توما إذ أقبل بقلوب المؤمنين إلى المعرفة وهتف بخوف: ربّي وإلهي… لأنّ عدم الإيمان صار تأكيدًا للإيمان.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: أعمال الرسل ١٢: ١-١١
في ذلك الزمان ألقى هيرودس الملك الأيادي على قومٍ من الكنيسة ليُسيءَ إليهم، وقتل يعقوبَ أخا يوحنّا بالسيف، ولمّا رأى أنّ ذلك يُرضي اليهود عاد فقبض على بطرس أيضًا (وكانت أيّام الفطير)، فلمَّا أمسَكَهُ جعلَه في السجن وأسلمه إلى أربعة أرابع من الجند ليحرُسُوه وفي عَزمِه أن يقدّمه إلى الشعب بعد الفصح. فكان بطرس محبوسًا في السجن وكانت الكنيسة تصلّي إلى الله من أجله بلا انقطاع. ولمّا أزمع هيرودس أن يقدّمه كان بطرس في تلك الليلة نائمًا بين جُنديين مقيّدًا بسلسلتين. وكان الحرّاس أمام الأبواب يحفظون السجن، وإذا ملاك الربّ قد وقف به ونورٌ قد أشرق في البيت. فضرب جنب بطرس وأيقظه قائلاً قم سريعًا. فسقطت السلسلتان من يديه. وقال له الملاك تمنطق واشدد نعليك. ففعل كذلك. ثمّ قال له البس ثوبك واتبعني. فخرج يتبعه وهو لا يعلم أنّ ما فعله الملاك كان حقًّا بل كان يظنّ أنّه يرى رؤيا. فلمّا جازا المحرس الأوّل والثاني انتهيا إلى باب الحديد الذي يؤدّي إلى المدينة فانفتح لهما من ذاته. فخرجا وتقدَّما زُقاقًا واحدًا وللوقت فارقه الملاك. فرجع بطرس إلى نفسه وقال الآن علمتُ يقينًا أنّ الربّ أرسل ملاكه وأنقذني من يد هيرودس ومن كلّ ما تربَّصَه بي شعبُ اليهود.
الإنجيل: يوحنّا ٢٠: ١٩-٣١
لـمّا كانت عشيّة ذلك اليوم وهو أوّل الأسبوع والأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين خوفًا من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم: السلام لكم. فلمّا قال هذا أراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ حين أبصروا الربّ. وقال لهم ثانية: السلام لكم، كما أَرسلَني الآب كذلك أنا أُرسلكم. ولمّا قال هذا نفخ فيهم وقال: خذوا الروح القدس. مَن غفرتم خطاياهم تُغفر لهم ومَن أمسكتم خطاياهم أُمسكت. أمّا توما، أحد الاثني عشر الذي يقال له التوأم، فلم يكن معهم حين جاء يسوع، فقال له التلاميذ الآخرون: إنّنا قد رأينا الربّ. فقال لهم: إن لم أُعاين أثر المسامير في يديه وأَضع إصبعي في أثر المسامير وأَضع يدي في جنبه لا أؤمن. وبعد ثمانية أيّام كان تلاميذه أيضًا داخلاً وتوما معهم، فأتى يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال: السلام لكم. ثمّ قال لتوما: هات إصبعك إلى ههنا وعاين يديّ، وهات يدك وضَعْها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا. أجاب توما وقال له: ربّي وإلهي. قال له يسوع: لأنّك رأيتني آمنت؟ طوبى للذين لم يرَوا وآمنوا. وآيات أُخَر كثيرة صَنَع يسوع لم تُكتب في هذا الكتاب. وأمّا هذه فقد كُتبت لتؤمنوا بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمه.