كل منا دعاه الله أن يكون راعيا لمن هم حوله، الأقربين اليه بالمسكن والعمل. ومسؤوليتنا تأتي من هذه المحبة الصادرة من القلب والشافية لمن لامسته فاستدفأ بها. والمحبة أوّلا انتباه ثم خدمة فاستمرار خدمة ليظهر صدقها ونحسّ من خلالها أن الرب ذاته يفتقدنا بها من خلال الوجوه التي تحنو علينا.
ولا شك أن الخليّة الاولى التي نمارس فيها العيش الواحد مع الناس هي العائلة وهي المكان الطبيعي لنموّنا العاطفي والطمأنينة المتّكلة على هذا النمو. تبدأ بالرجل وزوجته اولا، وينشأ البيت من حبّهما، من ذلك الذي قال عنه السيد: “ليس حُبّ أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه فدية عن أحبائه” (يوحنا ١٥: ١٣). وهذا المعنى أكّده بولس الرسول في رسالة الإكليل لمّا قال: “أيها الرجال أَحبّوا نساءكم كما أَحبّ المسيحُ الكنيسة وبذل نفسه عنها” (أفسس ٥: ٢٥).
هذا الحب الزوجيّ مستمد من حب الله لخليقته، ولا يعرف الناس الخالق الا من خلال أُناس آخرين يحبّونهم. فإذا بدأت الحياة الزوجية سليمة، حُرّة، غير مقهورة ولا متسرعة، اذا قامت على اختيار راسخ في فضائل الشاب والشابة الخطيبين، تحمل خط الاستمرار وتُخصبُها نعمةُ الله. فإذا كانت متحررة من كل اعتبار مادّي عند نشوئها او كل شهوة جامحة، تأتي حقا متابعة لمشيئة الله في استمرار خلقه، وتمتدّ الى الأولاد حنوًا وعناية، فيتجلّى حنانُ الله من حنان الوالدين، وقوّته من قوّتهم. اذ ذاك، ليس فقط يربّي الأهلُ أولادهم، ولكن يتربّون ايضا هم بهم فيفرحون بنموّهم وبهائهم، وتأتي معا من الوالدين والأولاد ثمارُ جهود مشتركة يعرفونها لمجد الله، فلا أحد يمتلك الآخر او يغتصب إرادته، فلا استبداد في العائلة، فيحرص الوالدون على أن يُبلغوا إرادة الله فقط لا نزواتهم، ولا يُصرّون الا على الحق الذي يُنجّي وحده. ولا يطيع الأولاد ذويهم اذا ما أَدركوا انهم يؤمرون بطاعة غير كلمة الله.
فالوصية تقـول بالإكرام ولا تقول بالطاعـة العميـاء. والرسـول يأمـر أن لا نغيـظ أولادنـا لئـلا يفشلـوا (كولوسي ٣: ٢١). العلاقـة بين الإثنين ليسـت عـلاقـة ثنـائيـة، ولكنها علاقة ثلاثية، الله مبدأها ومنتهاها، تأتي من إرادته وتعود الى إرادته. فأولادنا ليسوا مُلكنا. لذلك نقودهم الى الرب الذي يحرّرهم وحده من وطأتنا وقسوتنا، ومن الطبيعي أن يتجنّحوا وأن يتحمّلوا مسؤولية أعمالهم واختياراتهم.وقد يُخالفوننا في نضوجهم، فتبقى علينا المشورة إذا بَلغوا. ويبقى صليبُ الخلاف قائمًا في العائلة. هذا ثمن الحرية. وهذا الثمن يدفعه الله باستمرار إذا الناس أخطأوا.
التجديد الروحيّ الكبير هو القادر وحده على أن يُحرّر العائلة من التشدّد القبليّ الذي يحكمها وعلى إعادتها كنيسة صغرى منطلقا الى الكنيسة الكبرى التي هي عائلة الآب.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
الرسالة: غلاطية ١١:١-١٩
يا إخوة، أُعلمكم أنّ الإنجيل الذي بَشّرتُ به ليس بحسب الإنسان لأنّي لم أَتسلّمه وأَتعلّمه من إنسان بل بإعـلان يسوع المسيـح. فإنكم قد سمعتـم بسيـرتـي قـديمـا في ملـّة اليهـود أنّي كنـتُ أَضطهـدُ كنيسـة الله بإفـراط وأُدمـّرهـا، وأَزيد تقدّما في ملّة اليهود على كثيـرين مـن أَترابي في جنسي بكوني أَوفـر منهم غيـرةً على تقليدات آبائي. فلما ارتضى الله الذي أَفرزني من جوف أُمّي ودعاني بنعمته أن يُعلـن ابنـه فيّ لأُبشـّر به بين الأُمم، لساعتي لم أُصغِ الى لحم ودم، ولا صعدتُ الى اورشليم الى الرسل الذين قبلي، بل انطلقتُ الى ديار العرب، وبعد ذلك رجعتُ الى دمشق. ثم إني بعد ثلاث سنين صعدتُ الى اورشليم لأَزور بطرس فأقمتُ عنده خمسة عشر يوما، ولم أرَ غيره من الرسل سوى يعقوب أخي الرب.
الإنجيل: لوقا ٢٥:١٠-٣٧
في ذلك الزمـان دنا الى يسوع نامـوسيٌّ وقال مجرّبًا لـه: يا معلم ماذا أَعمـل لأرث الحيــاة الأبديـة؟ فقال له: ماذا كُتب في النامـوس، كيف تَقـرأ؟ فأجاب وقال: أَحبب الربَّ إلهك مـن كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل ذهنـك، وقريبَك كنفسك. فقال له: بالصواب أَجبتَ، إعمل هذا فتحيا. فأراد أن يزكّي نفسه فقـال ليسوع: ومَن قريبي؟ فعـاد يسـوع
وقال: كان إنسانٌ منحدرًا من اورشليم إلى أريحا، فوقـع بين لصوصٍ فعـرَّوه وجرَّحوه وتركـوه بين حـيّ وميت. فاتّفـقَ أن كاهنـًا كان منحدرًا في ذلك الطـريـق فأبصره وجـاز من أمـامه. وكذلك لاويٌّ، وأتى إلى المكـان فأبصـره وجـاز من امامه. ثمّ إن سامريًا مسـافـرًا مـرّ به، فلمّا رآه تحنّن، فـدنـا إليــه وضمـّد جـراحـاته وصـبّ علــيها زيتــًا وخمرًا، وحمله على دابَّته وأتى به الى فنـدقٍ واعتنى بأمره. وفي الغد فيمـا هو خارجٌ أَخـرجَ دينارين وأَعطاهما لصاحب الفنـدق وقال له: اعتنِ بأمره، ومهما تُنفـق فوق هذا فأنا أَدفعه لك عند عـودتي. فأيُّ هـؤلاء الثلاثة تحسب صار قريبـًا للذي وقـع بين اللصـوص؟ قال: الذي صنع اليه الرحمة. فقال له يسوع: امضِ فاصنعْ انت ايضًا كذلك.