...

كلمة الراعي البشرى في التقدمة والانتظار الخصيب

تتفاجأ الأمّ بكلام جديد يطنّ في أذنَيها. فهي سمعت الملاك مرّة يخبرها عن حبلها بالابن الذي به يأتي الخلاص، ورأت سجود المجوس له، وعاينت تعجّب الرعاة به وسمعت تسبيح الملائكة بتجسّده، ونصيبها اليوم، في دخول الابن إلى الهيكل في تمام الأربعين يومًا، أن تكون شاهدة لعمل نعمة انتظار الوعد في نفوس جديدة.

اكتشفت الأمّ في الهيكل أترابًا عرفوا أن يعيشوا نعمة انتظار الوعد بصبر ورجاء وتماسك مذهل. هوذا ينبري شيخ اسمه سمعان يعبّر عن فرحه برؤية الطفل وحمْله على ذراعَيه. يخبرك عنه بكلام فيه يقين مَن يلمس الإلهيّات بيدَيه، ويجعل غير المنظورات منظورة أمام عينَيك بقوله: «لأنّ عينَيّ قد أبصرتا خلاصك». يطمئنك، بفرح وثقة، بأنّ وعد الله منجز، في عداد المحقَّق، وإن كان أوان الإثمار لم يأتِ بعد.

سمعت هذه الأمّ أيضًا من هذا الشيخ كلامًا يخصّها، حول «سيف سيجوز في نفسها» بسبب تحقيق هذا الوعد. لقد أشار بخفر إلى تلك الساعة التي فيها سيتجرّع ابنها الكأس وتراه ممدودًا على الصليب. هي تحمله اليوم بين يدَيها طفلًا، لكنّها ستحمله غدًا بين يدَيها ميتًا مُنزَلًا عن الصليب. إنّها تجربتها المريرة! هذا الابن هو نفسه هنا وهناك، لكنّها هي تكون قد استحالت شاهدة على كلّ ما قاله هذا الشيخ، وذلك بأمّ العين وسماع الأذن ووجع القلب ومعيّة درب دامت على الأرض ثلاثة وثلاثين عامًا واستمرّت في الكنيسة إلى الأبد.

لم تلحق هذه الأمّ أن تلتقط أنفاسها حتّى سمعت في ركن آخر من الهيكل نبرة صوت رجاء يخرق عتاقة العبادة وضمور النفوس واستفحال اليأس. يحمل إليك هذا الصوت كلّ قوّة الرجاء، الصَلِب في فحواه والمنيع في نبرته عن كلّ تشويش وتضليل وانهيار وانكسار. حضور الطفل في الهيكل حرّك فيها حديثها عنه وتسبيحها لتدبيره الخلاصيّ. نشرت بين «المنتظرين» حضور هذه الروح، وفعلت ذلك بروحيّة رائعة تشجّع الآخرين على انتظار «الفداء» واقتباله والشكر عليه.

سمعان الشيخ كان رسولًا على عتبة الهيكل ينقل الرسالة إلى الأمّ باسم مَن سبقوه، وباسم ما يمثّل المكان الذي حضر إليه الطفل. رسالته تتعدّى الحضور المرافق للطفل في تقدمته إلى الهيكل، فهو يبلّغها إلى شعب الله ورؤسائه الذين لا حظنا غيابهم حتّى الآن، ومن هناك إلى البشريّة كلّها، إذ يعبّر عن واقع الخلاص الحاصل بهذا الطفل والذي «أعدّه قدّام وجه كلّ الشعوب». كيف له أن يعرف سرّه ويطمئنّ مسبقًا إلى تحقيق وعد بالخلاص؟ هذا موقف كبير لا يحرّكه إلّا الروح الناطق بالأنبياء، «إذ كان روح الله عليه». نفرح بهذا الشيخ لأنّه يوقظ فينا أفضل ما لدينا في عيش الإيمان: نعمة انتظار تحقيق الوعد! بفرح! برجاء! وبهمّة الشباب! ورجولة الراشدين! وحكمة الشيوخ! بإيمان ثابت بوعد الله لا ينكسر أمام طول زمن أو ضيق حاصل أو ظروف معاكسة! ربّ قائل إنّه يعدي أصحاب النيّات الصادقة باستعداداته

هو وينقلهم إلى الفرح الذي لديه، وهو على أبواب مغادرة هذه الفانية من دون أن يكون شاهد عيان للأحداث الآتية!

أمّا حنّة النبيّة فكانت رسولة إلى الخميرة الصالحة والقطيع الصغير الذي ينتظر تحقيق الوعد. صورتها الجليلة مع سنوات الصوم والصلاة وكلماتها الملهمة كانت خير عزاء وبلسم يساعد على تماسك هذه الخميرة، وتعزيز معيّة هذا القطيع المنتظر راعيه ليمشي في إثره وتحت إرشاده ووفق إرادته.

هاتان الشهادتان حصلتا في سياق تقدمة يسوع إلى الهيكل. إنّهما نموذجان عن روحيّة تقدمة أطفالنا إلى الهيكل، بحيث نقدّمهم حقيقةً إلى الله، فيكونون له وخدّامًا للخلاص الذي يحقّقه في كلّ زمن. وهما نموذجان عن كيفيّة إصغاء الأهل إلى كلام الله الذي نعطاه في الكنيسة، فنأخذه بحرص ونعمل على أن يثمر فينا. وأخيرًا هما نموذجان عن كيفيّة انتظار تحقيق وعد الله بطريقة تعزّز فينا وفي عائلتنا ورعيّتنا وجيرتنا هذه الروح الإيمانيّة الإيجابيّة العالية، خصوصًا في ظروف دقيقة جدًّا نعيشها، وتقوّي مناعتنا الداخليّة، الشخصيّة والجماعيّة، بحيث لا تفوتنا أوجه الخلاص الذي يتحقّق عبرها، شاكرين وجود كلّ سمعان وحنّة يهيّئون لنا طريق استقبالها كما حصل مع مريم.

سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ٧: ٧-١٧

يا إخوة إنّه ممّا لا خلاف فيه أنّ الأصغر يأخذ البركة من الأكبر وههنا إنمّا يأخذ العشور أناس يموتون. فأمّا هناك فالمشهود له بأنّه حيّ فيسوغ أن يقال إنّ لاويَ نفسَه الذي يأخذ العشور قد أدّى العشور بإبراهيمَ لأنّه كان في صُلب أبيه حين التقاه ملكيصادق. ولو كان بالكهنوت اللاويّ كمال (فإنّ الشعب عليه قد أخذ الناموس) إذًا أيّة حاجة كانت بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكيصادق. ولم يقل على رتبة هارون لأنّه متى تحوّل الكهنوت فلا بدّ من تحوّل الناموس أيضًا. والحال أنّ الذي يقال هذا فيه إنّما كان مشتركًا في سبطٍ آخر لم يلازم أحد منه المذبح، لأنّه من الواضح أنّ ربّنا طلع من يهوذا من السبط الذي لم يتكلّم موسى عليه بشيء من جهة الكهنوت. وما يزيد الأمر وضوحًا أنّه يقوم على ملكيصادق كاهن آخر غير منصوب حسب ناموس وصيّة جسديّة بل حسب قوّة حياة لا تزول لأنّه يشهد أن أنتَ كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق.

 

الإنجيل: لوقا ٢: ٢٢-٤٠

في ذلك الزمان صعد بالطفل يسوع أبواه إلى أورَشليمَ ليقدّماه للربّ (على حسب ما هو مكتوب في ناموس الربّ مِن أنّ كلّ ذكر فاتح رحم يُدعى قدّوسًا للربّ)، وليقرّبا ذبيحة على حسب ما قيل في ناموس الربّ زوج يمام أو فرخي حمام. وكان إنسان في أورَشليمَ اسمه سمعان وكان هذا الإنسان بارًّا تقيًّا ينتظر تعزية إسرائيلَ والروح القدس كان عليه. وكان قد أوحيَ إليه من الروح القدس بأنّه لا يرى الموت قبل أن يعاين مسيح الربّ. فأقبل بالروح إلى الهيكل. وعندما دخل بالطفل يسوع أبواه ليصنعا له بحسب عادة الناموس اقتبله هو على ذراعيه وبارك الله وقال: «الآن تُطلق عبدك أيّها السيّد على حسب قولك بسلام فإنّ عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددتَه أمام وجوه جميع الشعوب نورَ إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيلَ». وكان يوسف وأمّه يتعجّبان ممّا يقال فيه. وباركهما سمعان وقال لمريم أمّه: «ها إنّ هذا قد جُعل لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيلَ وهدفًا للمخالفة (وأنتِ سيجوز سيف في نفسك) لكي تُكشَف أفكار عن قلوب كثيرة». وكانت أيضًا حنّة النبيّة ابنة فنوئيل من سبط أشير. هذه كانت قد تقدّمت في الأيّام كثيرًا وكانت قد عاشت مع رجلها سبع سنين بعد بكوريّتها. ولها أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل متعبّدة بالأصوام والطلبات ليلًا ونهارًا. فهذه قد حضرت في تلك الساعة تشكر الربّ وتحدّث عنه كلّ من كان ينتظر فداء في أورَشليمَ. ولمّا أتمّوا كلّ شيء حسب ناموس الربّ رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة. وكان الصبيّ ينمو ويتقوّى ممتلئًا حكمة وكانت نعمة الله عليه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

البشرى في التقدمة والانتظار الخصيب