يعلن الرسول الحرية المسيحية الواعية بقوله: “كل شيء مُباح لي”. وحتى لا يفهم المسيحيون أن هذه استباحة كل شيء، دقق في هذا المعنى بقوله: “لكن لا يتسلّط عليّ شيء”. الإنسان يمارس شهوات شرعية مثل شهوة الطعام في اعتدالها، ولكن يدرك أن بطنه ليس له سلطة عليه. لذلك أتى بهذه القاعدة العميقة المعنى: “الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة”.
ثم يوضح بولس أن الطعام خادم للجسم وليس مطلقا. واذا جعلته عظيم الأهمية، مطلقا، تصير عبدًا وتُعرّض نفسك للزنى. علاقة الجسد والشراهة تمتد الى الزنى أحيانًا. لذلك بعد أن ذكر الرسول الأخطاء الناتجة عن الشراهة، يقول قد يُسبّب هذا انحرافًا في السلوك، انحرافًا عن العفّة.
وهنا يجب أن نذكر أن الجسد للرب ويكتمل بالعفّة. على هذا يستند بولس ليقول ان الجسد للرب والرب للجسد.
ثـم يسـمـو بالتـأمـل ليـؤسس هذا التعـليم أن أجسادنا هي أعضاء المسيح ويقول: “أفآخُذ أعضاء المسيح وأَجعلُها أعضاء زانية؟”. كيف وصل الرسول الى هذا التأكيد؟ يتكّل على تعليمه القائل ان أجسادنا هي أعضاء المسيح. فإذا اتصلنا بزانية نكون قد جعلنا أعضاء المسيح التي فينا أعضاء زانية.
هذه الوحدة بالزانية يؤسسها على أننا أخذنا أعضاء المسيح وجعلناها واحدة مع أعضاء الزانية اذ نصير معا في الخطيئة جسدًا واحدًا، وبنى هذا على قول سفر التكوين عن آدم وحواء انهما جسد واحد.
يرى أن الاقتران بين الذكر والأُنثى يجعلهما جسدًا واحدًا أفي الشرعية كان هذا أَم في الانحراف. ولكون الاقتران بزانية زنى، يُحذّرنا منه حتى يصل الى التأكيد: “ان كل خطيئة يفعلها الانسان هي في خارج الجسد. اما الزاني فإنه يخطئ الى جسده”. هذا أقوى تأكيد عند بولس على قدسية الجسد. بولس لا يقبل ثنائية الجسد والروح. كلاهما مقدّس، والخطيئة الى النفس كالخطيئة الى الجسد.
ثم يكشف الرسول صحّة تعليمه بقوله: “ان أجسادكم هي هيكل الروح القدس”. المعمودية مع الميرون عندنا تُوضح بصورة جلية قداسة الجسد. ويقوّي الرسول هذا التعليم بقوله: “ألستم تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم؟”.
قداسة الجسد مكشوفة للمسيحيين بنوع خاص لأن المسيح اشتراهم بدمه. وهذا نالوه فعليا وشخصيا بالمعمودية والميرون. كيان المسيحيين تَقَدّس بدم يسوع على الصليب، وهذا انسكب عليهم بالمعمودية.
ينتج من هذا أنهم مَدعُوّون الى أن يُقدّسوا الله في أجسادهم وأرواحهم بالروح القدس والعمل الصالح.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: 1كورنثوس 12:6-20
يا إخوة، كل شيء مباح لي ولكن ليس كل شيء يوافق. كل شيء مباح لي ولكن لا يتسلط عليّ شيء. إن الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة، وسيُبيد الله هذا وتلك. اما الجسد فليس للزنى بل للرب والرب للجسد. والله قد أقام الرب وسيُقيمنا نحن أيضا بقوته. أما تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء الـمسيح؟ أفآخذ أعضاء الـمسيح وأجعـلها أعضاء زانية؟ حاشى. أما تعلمون أن من اقترن بزانية يصير معها جسدا واحدا لأنه قد قيل يصيران كلاهما جسدا واحدا. أما الذي يقترن بالرب فيكون معه روحا واحدا. اهربوا من الزنى، فإن كل خطيئة يفعلها الإنسان هي في خارج الجسد، أما الزاني فإنه يخطئ إلى جسده. أَم ألستم تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم الذي نلتمـوه من الله، وأنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتُريتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله.
الإنجيل: لوقا 11:15-32
قال الرب هذا المثل: إنسان كان له ابنان. فقال أصغرهما لأبيه: يا أبتِ أَعطني النصيب الذي يخصّني من المال. فقسـم بينهما معيشته. وبعـد ايام غير كثيرة جمع الابن الأصغـر كل شـيء له وسافر إلى بلـد بعيد وبذّر ماله هناك عائشا في الخلاعة. فلما أنفق كل شيء حدثت في ذلك البـلد مجـاعة شديدة فأخذ في العوز. فذهب وانضوى إلى واحد من اهل ذلك البلد، فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتـهي ان يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم
يعطه احد. فرجع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أجراء يفضُل عنهم الخبـز وانا أهلك جوعا. أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: يا أبتِ قد أخطأت إلى السمـاء وأمامك، ولستُ مستحقا بعد ان أُدعـى لك ابـنا فاجـعـلني كأحد أُجَـرائـك. فـقام وجـاء إلـى أبيه، وفيما هو بعد غير بعيد رآه ابوه فتحنن عليه وأسـرع وألقى بنفسه على عنقه وقبّله. فقال له الابن: يا أبتِ قد أخطـأتُ إلى السماء وأمامك ولستُ مستحقـا بعد ان أُدعى لك ابنا. فقال الأب لعبيـده: هاتوا الحُلّـة الأُولى وأَلبِسـوه، واجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه، وأْتوا بالعجل الـمسمّن واذبحـوه فنأكل ونفرح، لأن ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوُجد. فطفقـوا يفرحون.
وكان ابنه الأكبـر في الحقل. فلما أتى وقرُب من البيت سمع أصوات الغناء والـرقص. فدعا أحد الغلمان وسأله: ما هذا؟ فقال لـه: قد قَدِم أخوك فذبح أبوك العجـل الـمسمـّن لأنه لقيـه سالـما. فغـضب ولم يُرِد ان يدخل. فخرج أبوه وطفق يتوسل اليه. فأجـاب وقـال لأبيه: كم لي من السنـين أخدمك ولـم أتعـدَّ لك وصية، وانت لم تعطني قـط جديا لأفـرح مع اصدقائي. ولـما جاء ابنك هـذا الذي اكـل معيشتك مع الزواني ذبحتَ لـه العجـل الـمسمّـن! فقال لـه: يا ابني انت معي في كل حين وكـل مـا هـو لـي فهـو لـك. ولكـن كـان ينبـغـي ان نفـرح ونُسَرّ لأن أخاك هذا كان ميتـا فعـاش وكان ضالا فـوُجد.