قصة الابن الشاطر هي قصتنا جميعًا كل يوم. أراد الحرية، ولأول وهلة لا أجمل من الحرية، فلعلّ أباه كان يريده مقيَّدا بالشريعة. أقلّ واجب على الوالدين أن يضبطوا أولادهم، ولكن الولد لم ينضبط فطلب قسطه من الميراث وذهب الى حيث يذهب الذين يتمرّدون على ما يعتبرونه طاعة او قسوة. أراد الابن حياةً لنفسه، فعندما صارت له وغرق فيها، أحس ان هذا لم يكن المطلوب: عاشر رفاقًا وزواني وأنفق عليهم. أعطوه تسلية، ولما افتقر تركوه. الإنسان بحاجة إلى ان يُحَبّ، وأن يُحِبّ باستمرار.
تقرأ علينا الكنيسة اليوم مقطعًا من رسالة بولس الرسول يتعلّق بالجسد ولا بد أن نفهمه ضمن إطار حديثنا اليوم. يقول بولس شيئًا غامضا على الكثيرين منا عندما يقول ان مَن يتعاطى زانية فإنه يصير جسدا واحدا معها، في حين ان هذا القول قيل عن الزواج ويعني أن من وحّد مصيره بمصير كائن آخر فإنما يصير جسدا واحدا معه وكيانًا واحدا معه. يلاحظ بولس الأمر ويستغرب أن يتعاطى المسيحيون شيئا كهذا، كيف آخذ أعضاء المسيح أي رأسي ويديّ ورجليّ وصدري وكل أعضائي التي تعمّدت وصارت أعضاء المسيح وأَجعلُها أعضاء زانية بالتِصاقي بها؟ سلّمتُها جسدَ المسيح في حين أن هذا الجسد لا يُسلّم الا بالمحبة في بركة الحياة الزوجية.
ثم يذكّرنا الرسول بأننا هيكل الله وبأننا نستخدم أجسادنا لتصبح هيكل الله أو مقرّ الله أو اشعاعا لله. ويلحّ الرسول إلحاحًا شديدًا أن «اهربوا من الزنا لأن جسدكم مقدَّس ولأنكم اشتُريتم بثمن. اشتُريتم بدم المسيح، فكيف تستخفّون بثمنكم وتعطون أجسادكم للزواني؟ عودوا إلى ربّكم ومجِّدوا الله في أجسادكم ونفوسكم. لا يكفي أن نُمجِّد الله بالفم بالصلاة أو بالفكر، يجب ان نُمجّد الله بالجسد ليصبح منارة للمسيح يعيش بالمحبة.
ما كان الابن الشاطر يعرف هذه الأفكار. فسَّرَها لنا بولس بعد ذلك من خبرة مسيحية. وجد الابن الشاطر نفسه وحيدا بين الزواني، بلا مأوى، بلا مَن يحنّ عليه، فعاد إلى بيت أبيه. أين كان أبوه؟ هذا هو السؤال. كان الأب واقفا خارج الباب أو على السطح ينتظر عودة الابن الضال. هذا هو شغل الأب أن ينتظر عودة أبنائه من ضلالهم لأنه يحب ولا يستطيع الا أن يحب.
تعرفون كيف فرحَ بعودة الابن وكيف استقبله. لكني أَودُّ أن أَلفتكم إلى تصرُّف الابن الصالح الذي كان دائما خاضعا للشريعة، طائعا أباه. يشكو من عودة أخيه إلى البيت لأنه رأى انه يتلطّخ بهذه العودة ولم يعرف أن يفرح مثل أبيه.
الصالحون الأتقياء بيننا، الذين لا يسرقون ولا يزنون، الشرفاء والشريفات المستلمون مقدّرات الأمور، هؤلاء لا يحبّون الخطأة إذا عادوا لأنهم يظنّون ان البيت بيتهم، في حين ان الله يقول ان ملكوته للصالحين والطالحين، وشمسه تُشرق على الأخيار والأشرار، وليس عنده من تمييز بين إنسان وإنسان. الابن الشاطر إذا عاد يكون أقرب إلى قلبه من الابن الصالح الذي بقي لأن الملائكة في السماء يفرحون بالخطأة إذا عادوا، ولأن ابن الله يترك الـ٩٩ خروفًا ليفتش عن الخروف الذي ضلّ في الجبال ويحمله على منكبيه ويعود به إلى الآب.
السؤال الأساسيّ أمامنا: ماذا نعمل بالخطأة؟ ألا نرتكب النميمة بحقهم؟ ألا نشير اليهم بالأصابع؟ هكذا نُغرقهم في خطاياهم ولا نسمح لهم بالعودة. نحن نعرف شيئا واحدا أن يسوع المسيح جاء ليخلّص الخطأة الذين أنا أَوَّلهم. لا يستطيع أحد منكم أن يقول: هذا خاطئ، وهذه خاطئة، وأنا أَفضل منهما. الله يعرف القلوب والكلى. أنا أعرف أني خاطئ، ولا اعرف ان غيري خاطئ. ولهذا كان الابن الشاطر أفضل من الابن الصالح، وأفضل من كليهما الأب. مَثَلُنا اليوم هو مَثَل الأب الصالح.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: ١كورنثوس ٦: ١٢-٢٠
يا إخوة، كل شيء مباح لي ولكن ليس كل شيء يوافق. كل شيء مباح لي ولكن لا يتسلط عليّ شيء. إن الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة، وسيُبيد الله هذا وتلك. اما الجسد فليس للزنى بل للرب والرب للجسد. والله قد أقام الرب وسيُقيمنا نحن أيضا بقوته. أما تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ أفآخذ أعضاء المسيح وأَجعلها أعضاء زانية؟ حاشى. أما تعلمون أن من اقترن بزانية يصير معها جسدا واحدا لأنه قد قيل يصيران كلاهما جسدا واحدا. أما الذي يقترن بالرب فيكون معه روحا واحدا. اهربوا من الزنى، فإن كل خطيئة يفعلها الإنسان هي في خارج الجسد، أما الزاني فإنه يخطئ إلى جسده. أَم ألستم تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم الذي نلتموه من الله، وأنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتُريتم بثمن؟ فمجِّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله.
الإنجيل: لوقا ١٥: ١١-٣٢
قال الرب هذا المثل: إنسان كان له ابنان. فقال أصغرهما لأبيه: يا أبتِ أَعطني النصيب الذي يخُصّني من المال. فقسم بينهما معيشته. وبعد أيام غير كثيرة جمع الابنُ الأصغر كل شيء له وسافر إلى بلد بعيد وبذّر ماله هناك عائشا في الخلاعة. فلما أَنفق كل شيء حدثت في ذلك البلد مجاعة شديدة، فأخذ في العوز. فذهب وانضوى إلى واحد من أهل ذلك البلد، فأرسله إلى حقوله يرعى خنازير. وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يُعطه أحد. فرجع إلى نفسه وقال: كم لأبي من أجراء يفضُل عنهم الخبز وأنا أهلك جوعا. أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السماء وأمامك، ولستُ مستحقا بعد أن أُدعى لك ابنا فاجعلني كأحد أُجَرائك. فـقام وجاء إلى أبيه، وفيما هو بعد غير بعيد رآه أبوه فتحنن عليه وأسرع وألقى بنفسه على عنقه وقبّله. فقال له الابن: يا أبتِ قد أخطأتُ إلى السماء وأمامك ولستُ مستحقا بعدُ أن أُدعى لك ابنًا. فقال الأب لعبيده: هاتوا الحُلّة الأُولى وأَلبِسوه، واجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه، وأْتُوا بالعجل الـمُسمّن واذبحوه فنأكل ونفرح، لأن ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوُجد. فطفقوا يفرحون. وكان ابنُه الأكبر في الحقل. فلما أتى وقرُب من البيت سمع أصوات الغناء والرقص. فدعا أحد الغلمان وسأله: ما هذا؟ فقال له: قد قَدِم أخوك فذبح أبوك العجل الـمسمّن لأنه لقيه سالما. فغضب ولم يُرِد أن يدخُل. فخرج أبوه وطفق يتوسل اليه. فأجاب وقال لأبيه: كم لي من السنين أَخدمك ولم أَتعدَّ لك وصية قط، وأنت لم تُعطني قط جدْيا لأفرح مع أصدقائي. ولما جاء ابنُك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحتَ له العجل الـمسمّن! فقال له: يا ابني أنت معي في كل حين وكل ما هو لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونُسَرّ لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوُجد.