...

كلمة الراعي اكتشاف ومبادرة ومعيّة في المسيح

حدث لقاء نثنائيل بالمسيح، بعد تشكيك منه في هويّته ودوره، أتى بناء على دعوة فيليبّس، أحد تلاميذ يسوع، وإلحاحه ليتعرّف إليه. شكّلت حينذاك مبادرة فيليبّس لأحد أترابه امتحانًا قاسيًّا وضروريًّا لقبول دعوته هذه وقبول ما تفصح عنه. أن تقبل مَن ينقل إليك البشرى، لا بل أن تقبل مَن هو البشرى نفسها، أي يسوع، ليس بالأمر المفروغ منه. فعندما فاتح فيليبّسُ نثنائيلَ بأنّ «يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة» يحقّق ما كتبه عنه «موسى في الناموس والأنبياء» في شأن المسيّا المخلّص، كان جوابه صاعقًا: «أَمِنَ الناصرة يمكن أن يخرج شيء صالح؟» (يوحنّا ١: ٤٥، ٤٦). لعلّه أيضًا جوابنا اليوم إزاء واقعنا الصعب عندما نتطلّع إلى إيمان ينقذنا من صعوبته بينما نتساءل حول جدواه وفاعليّته!

في هذا السياق، تسلّط خبرةُ نثنائيل الشخصيّة وهو تحت التينة الضوءَ على صراعنا هذا. ظنّ نثنائيل أنّ أحدًا لا يعي أو يتفهّم أو يتحسّس ما تعتمل جوارحه من شوق أو أفكار أو احتياج. كان أفقه الروحيّ محدودًا، على قياس إداركه البشريّ. لـمّا كاشفه المسيح بحقيقة وضعه الشخصيّ: «قبل أن دعاك فيليبّس وأنت تحت التينة، رأيتُك» (يوحنّا ١: ٤٨)، انفتحتْ مداركه ونفسه على مَن قاربه وقارب معاناته بهذا الرفق والقرب والمعيّة، مَن هو بتماس حيّ ومباشر مع حياته، مَن يستوعبه وكأنّ بينهما لُحمة حيّة! ما أحلى هذا الإله الذي يتجسّد ويعرفك حتّى العظم، ولديه هذا النوع من المعرفة الشخصيّة، ويتحلّى بهذا القدر من العناية والبراعة في معالجة داخلك! لقد دخل يسوع على حياة هذا التلميذ المستقبليّ في وقت كانت فيه أبواب نفسه مغلقة. مذاك ما عاد هناك من حاجز يمنع يسوع أن يقيم معه وفيه، فصرّح نثنائيل من كلّ قلبه: «يا معلّم، أنتَ ابن الله! أنتَ ملك إسرائيل» (يوحنّا ١: ٤٩).

يستوقفنا دور فيليبّس الرياديّ، الحسّاس والمطلوب بآن. فمبادرته «تعالَ وانظرْ» (يوحنّا ١: ٤٦)، قلبت الأمور رأسًا على عقب وفتحت طريقًا يقود إلى المسيح لم تكن في الحسبان. هل يمكن أن يدفع بنا اكتشاف فيليبّس للمسيح على هذا نحو إلى أن نجدّد اكتشافنا يسوع وتماسه الحيّ بواقعنا الشخصيّ والجماعيّ؟ هل يحرّك هذا الـمُعطى جدّة في الإيمان بيننا بحيث تصير خبرتنا الحيّة مع المسيح منطلقًا لشبكة أمان وشهادة وتضامن ومعيّة وحياة تكسر وحدة نثنائيل تحت التينة وبحثه القلق؟ هل تضرب تلك المبادرة الإنجيليّة، التي حدثت حينها والتي حمل لواءها المسيحيّون عبر التاريخ القديم والحديث، برودة فينا، أو انعزالًا، أو انكفاء على الذات، أو تشكيكًا، أو ثرثرة لا طائل تحتها، أو جهلًا، أو انتقادًا، أو حردًا لسبب أو لآخر؟ هل تجدّد تلك المبادرة الإنجيليّة حرارةً بين الإخوة فترت، أو لُحمة بينهم تصدّعت، أو مسارًا لديهم انحرف، أو شكوكًا فيهم تمادت؟

لا تجد هذه الأسئلة جوابًا إلّا عندما يتبنّى واحدنا الآخر في المسيح، و«نستوعب» بعضنا بعضًا بمحبّة المسيح. حينذاك تصير الجماعة حصنًا لأعضائها، والكنيسة منارة لعمل الروح فيها، ونصير رسلًا ندعو الآخرين إلى أن يرتاحوا في حضن الربّ. هذا يقوم على مبدأ أن يحرص الواحد على أن يريح الآخر عبر دعوته إلى الراحة التي وجدها في خبرته مع المسيح. ساعتها نصير معًا شهودًا لما أراد يسوع أن

يعلنه لنا بقوله: «من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان» (يوحنّا ١: ٥١)، فنصير بدورنا شهودًا لهذه الحركة الصاعدة النازلة علينا وعلى إخوتنا كما هي الحال مع «ابن الإنسان». بهذا نفرح ونتعزّى وسط الضيقة الحاضرة، وتصير شخصيّتا فيليبّس ونثنائيل مثالًا لينحت فينا يسوعُ بداءة لا تنتهي، ومعيّة بيننا يهبّ فيها الروح كيفما يشاء ليقود الجميع إلى مراعي الخلاص.

سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

الرسالة: عبرانيّين ١١: ٢٤-٢٦ و٣٢-٤٠

يا إخوة بالإيمان موسى لمّا كبُرَ أبى أن يُدعى ابنًا لابنة فرعون، مختارًا الشقاء مع شعب الله على التمتّع الوقتيّ بالخطيئة ومُعتَبرًا عارَ المسيح غنًى أعظم من كنوز مصر لأنّه نظر إلى الثواب. وماذا أقول أيضًا إنّه يضيق بي الوقت إن أخبرت عن جدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل والأنبياء الذين بالإيمان قهروا الممالك وعملوا البرّ ونالوا المواعد وسدّوا أفواه الأسود وأطفأوا حدّة النار ونجوا من حدّ السيف، وتقووا من ضعف وصاروا أشدّاء في الحرب وكسروا معسكرات الأجانب وأخذت نساء أمواتهنّ بالقيامة وعُذّب آخرون بتوتير الأعضاء والضرب ولم يقبلوا النجاة ليحصلوا على قيامة أفضل، وآخرون ذاقوا الهزء والجلد والقيود أيضًا والسجن، ورُجموا ونُشروا وامتُحنوا وماتوا بحدّ السيف، وساحوا في جلود غنم ومعز وهم معوَزون مُضايقون مجهودون (ولم يكن العالم مستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كلّهم مشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد لأنّ الله سبق فنظر لنا شيئًا أفضل ألّا يكملوا بدوننا.

 

الإنجيل: يوحنّا ١: ٤٣-٥١

في ذلك الزمان أراد يسوع الخروج إلى الجليل فوجد فيليبّس فقال له اتبعني. وكان فيليبّس من بيت صيدا من مدينة أندراوس وبطرس فوجد فيليبّس نثنائيل فقال له إنّ الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء قد وجدناه وهو يسوع بن يوسف الذي من الناصرة. فقال له نثنائيل أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟ فقال له فيليبّس تعال وانظر. فرأى يسوع نثنائيل مقبلًا إليه فقال عنه: هوذا إسرائيليّ حقًّا لا غشَّ فيه. فقال له نثنائيل من أين تعرفني؟ أجاب يسوع وقال له: قبل أن يدعوك فيليبّس وأنت تحت التينة رأيتك. أجاب نثنائيل وقال له: يا معلّم أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل. أجاب يسوع وقال له: لأنّي قلت لك إنّي رأيتك تحت التينة آمنتَ، إنّك ستعاين أعظم من هذا. وقال له الحقّ الحقّ أقول لكم إنّكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمة الراعي

اكتشاف ومبادرة ومعيّة في المسيح