في كنيستنا عدة تذكارات للآباء القديسين، وهذا الأحد واحد منها. الآباء هم المطارنة الذين اجتمعوا في المجمامع المسكونية السبعة. الهراطقة الذين خرجوا عن الإيمان وانشقّوا عن الكنيسة حاربوها كثيرا وكان لا بد من الرد عليهم، فكان المجمع المسكوني الأول الذي صاغ دستور الإيمان، هذا الذي نتلوه في الخدمة الإلهية: “أومن بإله واحد آب ضابط الكل …”، حتى المجمع المسكوني السابع الذي علّمَنا تكريم الأيقونات.
هكذا تقولبت وصيغت العقيدةُ في أقوال وهي العقيدة المستقيمة التي نتمسك بها وهي توضح لنا الإنجيل وتحدد حدود الإيمان، بحيث ان من زاد على هذا الإيمان خرج، ومن أنقص من هذا الإيمان خرج ايضًا.
السؤال هو لماذا وكيف تنشأ هرطقات في الكنيسة؟ لماذا تتكوّن البدَع فيها؟ هذا لأن العقل البشري حُرّ، والانسان يقرأ ولا يفهم أحيانا. هناك من يقرأ ويفهم، لكن أُناسًا كثيرين يزيّفون ما يقرأون بسبب خطاياهم، او بدون سبب هُم لا يفهمون. هذه مأساة حاصلة في الكنيسة، ولا بد للبدع من أن تظهر، ولا بد من أن ينشقّ البعض عن الكنيسة بسببٍ مِن عدم فهمهم. نقرأ في إنجيل لوقا (١٧: ١-٢) “ويلٌ لهذا الانسان الذي عن يده تأتي العثرات، خير له لو طُوّق عُنقه بحجر رحى وطُرح في البحر من أن يُعثر أحد هؤلاء الصغار”. الآباء المطارنة القديسون الذين اجتمعوا بين القرن الرابع والقرن الثامن ووضعوا لنا هذه الدساتير كانوا عالمين أن أكبر خطيئة يرتكبها الانسان هي أن يشقّ الكنيسة. من يأتي بعقيدةٍ لا يتعرّف عليها المؤمنون المستقيمون فهو يجزّئ جسد المسيح.
هناك من يقول: هذا الإنجيل الواحد، تعالوا نتفاهم حوله. لكن الواقع ليس هكذا. الواقع أن القديس أثناسيوس أُسقف الاسكندرية في القرن الرابع كان عنده هذا الإنجيل وفهم منه ما فهمه الجميع ان المسيح إله، إله أزلي غير مخلوق. وكان في المدينة نفسها رجل آخر يُدعى آريوس، كاهن في الكنيسة عينها أخذ الإنجيل وفهم منه ان المسيح ليس بإله وانه مخلوق. الإنجيل أساس ولكن الناس يبنون على هذا الأساس، منهم من يبني بيتًا ثابتًا صحيحًا، ومنهم من يبني بيتًا غير ثابت لأنه يُدخل أفكارًا خاصة من ذاته ومن محيطه او من شهواته.
ولكن من يقول الحقيقة؟ كيف نعرفها؟ هنا تأتي المشاورة. فالمجامع المسكونية كانت مشاورات عالمية بين أساقفة الدنيا المسيحية. الأساقفة قد وضعهم الله، في ما سمعنا اليوم من نص الرسالة، حراسًا على العقيدة كي يسهروا على الرعية التي يُبدّدها الذئب. عملُ المطارنة أن يدرسوا وان يتكلموا باللاهوت وان يعطوا الناس اللاهوت السليم لأن السلوك الصحيح يأتي من الإيمان الصحيح. ولا يستطيع الانسان أن يخلُص بدون إيمان. ليس شغل الكنيسة أن تبني كنائس من حجر وحسب. شغلُها أن تبني الكنائس ليُعلّم فيها الإيمانُ الصحيح. وان كنا بالإيمان المستقيم، فنحن أغنى الناس ونحن أمجد الناس. نحن قائمون لكي نحفظ الإنجيل ونعيش بالإنجيل ونتمتع بجمال المسيح.
فيما نحن نقيم ذكرى الآباء القديسين، جدير بنا أن نُجدد ولاءنا للعقيدة المستقيمة وولاءنا للكنيسة كما هي وحيثما تكون في الرعية التي نحن منها لكي يبقى الله بيننا ويسطع إيمانُنا بمحبته الى الأبد.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: تيطس ٨:٣- ١٥
يا ولدي تيطس، صادقة هي الكلمة وإياها أريد أن تُقرّر حتى يهتمّ الذين آمنوا بالله في الـقيام بالأعمال الحسنة. فهذه هي الأعمال الحسنة والنافعة. أما المباحثات الـهذيـانية والأنساب والخصومات والمماحكات الناموسية فاجتنبها، فإنها غير نافعة وباطلة. ورجل البدعة، بعد الإنذار مرة وأخرى، أَعرِضْ عنه، عالمًا أن من هو كذلك قد اعتسـف وهـو في الخطيئة يقـضي بنفسه على نفسه. ومتى أَرسلتُ اليك أرتيماس او تيخيكوس فبادرْ أن تأتيَني الى نيكوبولس لأني قـد عزمتُ أن أُشتّي هناك. أما زيناسُ مُعلّم النامـوس وأَبُلّوس فاجتهد في تشييعهما متأهبَيْن لئلا يُعوزهما شيء. وليتعلّم ذوونا أن يقوموا
بالأعمال الصالحة للحاجات الضرورية حتى لا يكونوا غيـر مثمرين. يُسلّم عليك جميعُ الذيـن معي. سلّم على الذين يُحبـّوننا في الإيمان. النعـمة معكم أجمعين.
الإنجيل: لوقا ٥:٨-١٦
قال الرب هذا المثل: خرج الزارع ليزرع زرعه، وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق فوُطئ وأكلته طيور السماء. والبعض سقط على الصخر فلمّا نبت يبس لأنه لم تكن له رطوبة. وبعضٌ سقط بين الشوك فـنـبـت الشـوك مـعـه فخـنـقـه. وبـعـضٌ سقـط فـي الأرض الصالحة فلـمّا نبـت أثمـر مئة ضعـف. فسأله تلاميـذه: ما عسى أن يكون هـذا المثل؟ فقال: لـكم قد أُعطي أن تعرفوا أسرار ملكـوت الله. وأما الباقون فبأمثال لكي لا ينظـروا وهم ناظـرون ولا يفهموا وهـم سامعون. وهـذا هـو المثل: الـزرع هـو كلمة الله، والذين على الطريق هم الذين يسمعون ثم يأتي إبليس وينزع الكلـمة مـن قلـوبهـم لئلا يـؤمنوا فيخلُصوا. والـذين على الصخر هم الذين يـسمـعــون الكلـمة ويـقبـلونـها بـفرح ولكن ليس لهم أصل، وإنما يؤمنون الى حين وفـي وقت التجـربة يرتدّون. والـذي سقط في الشوك هم الـذين يسمعـون ثم يذهبـون فيختنـقون بـهـموم هـذه الحياة وغناهـا وملـذّاتـها، فلا يأتـون بثـمر. وأما الـذي سقط في الأرض الجيّدة فهُم الذين يسمعون الكلمة فيحفظـونـهـا في قلـب جيّد صالح ويُثمرون بالصبر. ولما قال هـذا، نادى مـن له أُذنان للسمع فليـسمع.