“أنتم هيكل الله الحيّ” لأنكم تمدّون المسيحَ في العالم. أنتم حضوره ومظهرُه في الناس. لذلك بطلت الهياكل القديمة المصنوعة بالأيدي، وصار المؤمنون جميعًا هيكلا للرب تتآزر أجزاؤه، وحجر الزاوية المسيح.
“أكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبا”. يتكلّم عن المستقبل. هذا كلام غريب للوهلة الأولى. والحق أن الله ليس إلهًا لنا الا اذا اعترفنا به سيدًا علينا. الله لا يهمّني منه انه نور السموات والأرض، يهمّني انه نوري أنا، ومنقذي أنا، وربي أنا. ولذلك اذا اتصلت أنا به وجعلته سيدًا عليّ بطاعتي له، حينئذ يكون حقًا ربّي لأنه أحبّني ولفت وجهه إليّ.
“تكونون لي شعبًا” اذا عرفتم أنني ربكم، مُلتفت اليكم، عاطف عليكم بالرحمة، مفتقدكم بالحنان والغفران. ليس الأمر أن نُسجّل شعبًا له، أن نحمل هذا الأمر على تذاكر الهوية. الله لا يُسَجّل على ورق. نحن لسنا أُمّته لأنه قيل عنا كذلك، نحن نصبح أُمّة الله وشعب الله اذا توجّهت قلوبنا اليه.
“لذلك اخرجوا من بينهم واعتزلوا، يقول الـرب، ولا تمَسّوا نجــِسًا، فأقبـلكم وأكـون لكـم أبًا، وأنتـم تكونون لي بنينَ وبنات يقول الرب”. اذا كان وجهُنا الى الله، هذا يعني أن وجهنا اليه فقط. الله يريدنا كليا، يريد كل كياننا، كل روحنا، كل جسدنا. الله لا يسمح أن نكون لغيره لحظة واحدة. لا يسمح أن نعبد الأصنام. كل وجه نلتمسه من أجل نفسه بالاستقلال عن المسيح هو وجه صنم، وجه عدو. كل ما نشتهيه في هذا العالم، العالم كله، إن فصلَنا عن الله، عن وجه الحبيب الأوحد فهو عدوّ. “اعتزِلوا، لا تمسّوا نجِسًا، فأَقبلكم”.
القضية ليست ان نكون ذوي مكانة في الطائفة، فالله لا يُحابي الوجوه. ليس عند الله طبقات. الانسان لله او ليس له. واذا كان له فهو ابنه. يقول الرسول في موضع آخر: “لستَ اذًا عبدًا، ولكنّك ابنٌ، واذا كنت ابنًا فأنت وارثُ الله”. الرسول يريد ان نعرف أنفسنا أبناء. وهذا يقوده الى قوله الأخير في رسالة اليوم “تمّموا القداسة بخوف الله”. نعم أنتم أبناء، ولكن هذا لا يجعل لكم فضلا. هذا ليس امتيازًا ولكنه يُلقي عليكم واجبا. أنتم أبناء لا لتُسَرّوا بذلك، لا لتفتخروا على الناس، لا لتقولوا انكم أفضل من الآخرين، فالله قادر أن يُقيم من الحجارة اولادًا لإبراهيم. اذا كنتم أبناء فالنير موضوع عليكم لكي تتمّموا القداسة.
عندما نُذكّر أحدًا من الأبناء بواجب روحيّ، يقول: انا لست قديسًا، لا أريد ان أصبح قديسًا، هذه أمور للقديسين. كأن القداسة شيء لفئة صغيرة من الناس، كأنها وقف على الرهبان، كأنها ليست دعوة لنا أجمعين. تمّموا القداسة، هذه دعوتكم. تمّموا القداسة بخوف الله. أيّ خوف؟ ماذا يعني خوف الله؟ “بدء الحكمة مخافة الله”. من أراد ان يتّصل بالرب، عليه ان يخاف لأنه علينا أن نُتمّم البرّ بخوف ورعدة. لعلنا اذا فحصنا ضمائرنا بدقّة، بإخلاص، بصدق، نلاحظ أننا لسنا بالضرورة ممن يخافون الله، اننا لا نعيش حسب إرادة الله ونحلّل لأنفسنا الكثير. هل نؤمن ان هناك سماء وملكوتًا وعقابًا أبديا؟ إن كنا نؤمن بذلك حقًّا الى نهاية الإيمان، لا يمكن أن نحيا كما نحيا. تمّموا القداسة بهذا الخوف اولا.
ولكن هناك خوف آخر. “بخوف الله وإيمان ومحبة تقدموا”. بعد الخوف المحبة. والمحبة تطرح الخوف الى الخارج كما يقول الرسول الحبيب. الذي يتقـدّم لمعـرفة المسيـح لا يخـاف. ومع ذلك يقول الرسول: تمّموا القداسة، ذروة الكمال، بخوف الله. أيّ خوفٍ بصدده نحن الآن؟ نحن نتكلم عن هذا الخوف الذي يصيب المُحبّ عندما يتمنّى أن يبقى مع من يحبّه الى الأبد. المحب لا يريد أن يترك الحبيب. خوفُنا أن يتركنا المسيح. خوفُنا ألا يلتفت الينا. هذا هو الموت الحقيقيّ. هذه هي المصيبة الوحيدة. كل منا يتصوّر أن المصيبة أن يخسر مالا، او صحة، او عزيزا. المشكلة الكبرى، الضربة الوحيدة أن يُهملنا المسيح، وهو مُهمل لنا إنْ نحن أَ هملناه. ولذا يقول الرسول: تمموا القداسة وانتم خائفون. أنتم خائفون أن تكونوا وحدكم، بلا مسيح.
هذه هي أقوال الرسول إلينا لكي نُدرك ان الأمر الجلل أن يكون الله لنا إلهًا وأن نصبح له شعبًا حتى نصل الى القداسة التي من أجلها جاء السيّد الى العالم.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: ٢ كورنثوس ٦: ١٦- ٧: ١
يا إخوة أنتم هيكل الـله الحي كما قال الـله: إني سأسكُن فيهم وأَسيرُ في ما بينهم وأكون لهم إلهًـا ويـكونون لي شعبـًا. فلذلك اخرجـوا من بينـهم واعتـزلـوا يقول الرب ولا تمسّوا نجسًا، فأَقبـلكم وأَكـون لكم أبًـا وتكونـون انتـم لي بنين وبناتٍ يقـول الـرب القـدير. وإذ لنـا هذه الـمـواعد أيها الأحباء فلنُطهـِّر أنفسنـا من كل أدناس الجسد والـروح ونُكـمـل القداسـة بمخـافـة الله.
الانجيل: لوقا ٢٧:٨-٣٩
في ذلك الزمان أتى يسوع الى كورة الجرجسيين فاستقبله رجل من المدينة به شياطين منذ زمان طويل ولم يكن يلبس ثوبا ولا يأوي الى بيت بل الى القبور. فلمّا رأى يسوعَ صاح وخرّ له بصوت عظيم: ما لي ولك يا يسوع ابن الله العليّ، أطلب اليك ألا تعذّبني. فإنه أمرَ الروح النجس ان يخرج من الانسان لأنّه كان قد اختطفه منذ زمان طويل وكان يُربَط بسلاسل ويُحبَس بقيود فيقطع الربُط ويُساق من الشيطان الى البراري. فسأله يسوع قائلا: ما اسمك؟ فقال: لجيون، لأن شياطين كثيرين كانوا قد دخلوا فيه. وطلبوا اليه ألا يأمرهم بالذهاب الى الهاوية. وكان هناك قطيع خنازير كثيرة ترعى في الجبل. فطلبوا اليه أن يأذن لهم بالدخول اليها فـأذن لهـم. فـخـرج الشيـاطيـن مـن الانـسان ودخـلـوا في الخنازير. فوثب القطيع عن الجرف الى البحيرة فاختنق. فلما رأى الرعاة ما حدث هربوا فأخبروا في المدينة وفي الحقول، فخرجوا ليروا ما حدث وأتوا الى يسوع، فوجدوا الانسان الذي خرجت منه الشياطين عند قدمي يسوع لابسًا صحيح العقل فخافوا. وأخبرهم الناظرون ايضا كيف أُبرئ المجنون. فسأله جميع جمهور كورة الجرجسيين أن ينصرف عنهم لأنه اعتراهم خوف عظيم. فدخـل السفـينـة ورجـع. فسألـه الرجل الذي خرجـت منـه الشيـاطيـن أن يـكون معه، فصرفه يسوع قائلا: ارجع الى بيتك وحدّث بما صنع الله اليك. فذهب وهو ينادي في المدينة كلها بما صنع اليه يسوع.