في كل يوم من السنة عيد لقديس أو أكثر، ولكن هذا التعييد اليوميّ لا يشمل كل القديسين الذين مجّدهم الله وجعلهم إليه في السماء. لذلك تذكُر الكنيسة اليوم الذين طوّبتهم بأسمائهم كلّ يوم والذين لم تُطوّبهم والله يعرفهم.
رأت الكنيسة أن يُخطف فكرنا إلى القديسين الذين جعلهم الله له وهم كثيرون ولا تكفي أيام السنة لتعدادهم بأسمائهم. فأقامت هذا الأحد بعد العنصرة تُقيم فيه ذكراهم. وجاء تعيين هذا الأحد في محلّه لأنّ حلول الروح القدس يقودنا إلى ذكْر القديسين. الروح الإلهي هو مُنشئ القداسة وموطّدها. فكان من الطبيعي بعد أن أقمنا ذكرى للروح القدس أن نقيم ذكرى لمن يُظهرهم ويُظهر أعمالهم في الكنيسة عنيتُ القديسين.
ليس لكلّ قديس نعرفه عيد لأن القديسين يتجاوزون عدد أيام السنة، فاضطررنا أن نقيم ذكرى القديسين مجتمعين، أولئك الذين نعرف سيرتهم والذين لا نعرف سيرتهم. فعدد الـ٣٦٥ يومًا في السنة لا يكفي لنعيّد فيه لكلّ القديسين الذين طوّبناهم ونعرفهم بأسمائهم. إلى هذا الذين لا نعرفهم بأسمائهم ومجّدهم الله. فتمجيدًا لغير المذكورين في كل أيام السنة وتمجيدًا للذين يعرفهم الله وحده ولم يدخلوا في التقويم أَوجدْنا هذه الذكرى لتشمل كل الذين أَحبّهم الله ونقلهم إليه. انه موقف محبة أن نُخصّص لكل قديس نعرفه ذكرى، وقضية محبة أيضًا أن نُخصّص لمن لا نعرفهم بأسمائهم ذكرى. هذا عندنا شوق إلى القداسة وأن نملأ بذكرى كبارها كل أيام السنة.
يوم بلا وجه قديس نذكره ليس يومًا من الكنيسة. الشغور من استحضار عظمائنا يجعل قلوبنا بلا مرجع. القلب إن لم يجذبه عظماء التقوى ماذا يجذبه؟ السنة سنة الله المقبولة أو هي مجموعة أيام فارغة من ذكر القداسة. إن لم تذكُر عظماء التقوى والبر، من هم الذين تذكُر؟ هناك كبار في هذه الدنيا وحسب مقاييسها. ولكن الأحبّ إلينا في دنيانا من كان يشاركنا تقوانا، من كان من جنسنا في التقوى. هؤلاء المتجانسون في التقوى يؤلّفون الكنيسة. وغير المتجانسين في معرفة المسيح ليسوا له أو ليسوا منه.
نحن الذين استبْقاهم ربّهم في هذه الدنيا ليس بيننا رباط الا الرب نفسه. هذا الرباط يجعلنا كنيسة أي مجتمعا للدهر الآتي، يتخذ هويته من كونه للرب.
نحن لسنا من هذا العالم وإن كنا في العالم. نحن من الدنيا التي ألّفها الرب بمحبّته وهي كنيسته. إليها نحن مشدودون ولو كانت أجسادنا تمشي على الأرض. نحن نتحرّك في الحقيقة مع أهل السماء ونتّجه جميعًا إلى العرش الإلهي لنُشاهد الله ومسيحه ونحيا بهذه المشاهدة.
عندما نعيّد لجميع القديسين ولكل قديس في كل يوم نشهد أن إرادتنا هي القداسة. نعمل في هذه الدنيا كل في مهنته أو وظيفته، ولكن غاية كل أعمالنا أن نبلغ القداسة وأن نسكب فيها القداسة. الطعام والشراب والمسكن والمهنة ليست كل شيء أو ليست الغاية. غاية الوجود فيما نأكل ونشرب ونقوم بأعمالنا اليومية هي ابتغاء الوصول إلى الله. كل نشاط في هذه الدنيا إن لم نطلب فيه الله ورضاه وبركاته هو من هذه الدنيا ويفنى فيها. أما غايتنا الحقيقية فهو أن نلتمس وجه الله ليرضى عنا فنحيا برضاه.
عندما نقيم في يوم واحد ذكرى لجميع القديسين، نشهد أننا نحبهم جميعًا وأننا فوق ذلك طلاب قـداسـة. لك أن تـرغـب أن تكـون عظيمـًا في مهنتـك ووافر الصحة أو كاتبًا عظيمًا. هذه كلها جيدة، وإن كنت متواضعًا يباركك الله. ولكن أعظم الأشياء في دنياك ليست بشيء إن لم تكن طريقَك إلى القداسة، إلى كراهية الشر وحب الخير، إلى اللصوق بالله.
لك أن تسعى إلى أن تكون خادمًا لوطنك عظيمًا وطبيبًا حاذقًا أو محاميًا ماهرًا أو كاتبًا جذابًا. هذا كله طيّب، ولكنه محدود، ولكن ما هو غير محدود أن تطلب كمال أخلاقك حسب وصية الرب: “كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل هو”.
كل شيء عظيم يأتي من الذي طلب كماله من الله. خارجًا عن ربك يمكن أن تكتمل في أية مهنة على صعيد الاحتراف، وان كنت لا تكتمل بلا أخلاق عظيمة. لا يمكن أن تكون انسانًا كاملاً الا إذا ابتغيت كمالك من الله. قبل ذلك، لك أن تُتقن مهنتك، ولكن هذا ليس الكمال. أنت لا تكتمل الا بالكامل أي إذا تشبّهت بالمسيح.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: ١ كورنثوس ٤: ٩- ١٦
يا إخـوة ان الله قد أبرزنا نحن الرسل آخري الناس كأننا مجعولون للموت لأنّا قد صرنا مشهدًا للعالم والملائكة والبشر. نحن جهّال من اجل المسيح أمّا أنتم فحكماء في المسيح. نحن ضعفاء وأنتم أقوياء. أنتم مكرّمون ونحن مهانون. والى هذه الساعة نحن نجوع ونعطش ونَعرى ونُلطم ولا قرار لنا ونتعب عاملين. نُشتَم فنُبارك، نُضطَهد فنتحمّل، يُشنّع علينا فنتضرع. قد صرنا كأقذار العالم وكأوساخ يستخبثها الجميع الى الآن. ولست لأُخجلكم أكتب هذا وانما أعظكم كأولادي الأحبّاء. لأنه ولو كان لكم ربوة من المرشدين في المسيح ليس لكم آباء كثيرون لأنّي أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل. فأطلب اليكم ان تكونوا مقتدين بي.
الإنجيل: متـى ٩: ٣٦ – ١٠: ٨
في ذلك الزمان لما رأى يسوع جمعًا كثيرًا تحنن عليهم لأنهم كانوا منزعجين ومنطرحين مثل خراف لا راعي لها. حينئـذ قـال لتـلاميذه ان الحصاد كثيـر وامـا العملة فقليلون فاطلبوا الى رب الحصاد ان يرسل عملة الى حصاده. ثم دعا يسوع تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانًا على الأرواح النجسة لكي يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف. وهذه أسماء الاثني عشر رسولا: الأول سمعان المدعو بطرس واندراوس أخوه ويعقوب ابن زبدى ويوحنا أخوه وفيلبس وبرثلماوس وتوما ومتّى العشّار ويعقوب ابن حلفى ولبّاوس الملقب تدّاوس وسمعان القانوي ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه. هؤلاء الإثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: الى طريق الأمم لا تمضوا والى مدينة السامريين لا تدخلوا بل انطلقوا بالحري الى الخراف الضالة من بيت اسرائيل. وفي انطلاقكم اكرزوا قائلين: قد اقترب ملكوت السموات. اشفوا المرضى، طهّروا البرص، أقيموا الموتى، أخرجوا الشياطين. مجّانًا أخذتم، مجّانًا أعطوا.