في إنجيل أحد الغفران، تطالعنا أخطار ثلاثة ناجمة عن عمل السوس والصدأ والسارقين، أخطار يهمّنا التوقّف عندها ونحن نلج عتبة الصوم الكبير، لا سيّما وأنّ الربّ يحدّثنا عمّا يجب أن تكون عليه حالة قلب المؤمن المصلّي والصائم والغافر.
من المعلوم أنّ السوسة حشرة تأتي من الخارج وتجد في الحبوب المكان الأفضل لوضع بيوضها. لدرء خطرها، لا بدّ من أن نحافظ على نظافة أماكن تخزين الحبوب، والانتباه إلى طريقة تخزينها. فإن كانت الحبوب تشير إلى الفضائل التي اقتناها المؤمن بتعب وجهاد وبنعمة الله، كان لا بدّ له من أن ينتبه إلى الرذائل التي تخرّب الفضائل، وبشكل خاصّ العجب والكبرياء، ثمّ الضجر وحبّ اللذّة كيلا تذهب أتعابه أدراج الرياح.
أمّا الصدأ فينتج من احتكاك المعدن، كالحديد، بمحيطه الرطب فيتآكل. هذا يأتي من إهمال صيانته لدرء خطر الصدأ عنه. فإن كان الحديد يشير إلى كيان الإنسان المؤمن، فلا بدّ له من أن يحرص على صيانة نفسه بمطالعة الكتاب المقدّس ليصير له مرآة صالحة يفحص نفسه على أساسها، وأن يمارس سرّ التوبة والاعتراف، بالإضافة إلى الثبات في قانون الصلاة اليوميّة والاشتراك في الأسرار المقدّسة باستعداد كلّيّ. هذا، من دون أن نهمل على الإطلاق ممارسة المحبّة الأخويّة والعضد والإحسان. تتآكل نفسنا من إهمال هذه العناصر، وتصدأ بتغيير نمط الحياة، وتبرى باتّباع العشرة الرديئة وتبنّي الأفكار المغالطة، فتفقد نفوسنا طهارتها.
العامل الثالث الذي يهدّد المؤمن المثابر في عيش إيمانه، إذ يكون قد احتاط من خطر السوسة والصدأ، يتمثّل بعمل اللصوص. فمتى باتت أرض قلبنا طاهرة ونقيّة، ونفوسنا في طور الثبات في عمل الفضيلة، يستحليها السارقون لأنّ النفس الطاهرة جوهرة ثمينة جدًّا، فيعمل هؤلاء على تدنيسها وهتك عفّتها التي اقتنتها بالصوم والصلاة والشركة مع الله. فنقاوة الذهن والقلب تغار منها الشياطين، فتسعى جاهدة إلى أن تسكن فيه مجدّدًا بعد أن طُردت منه سابقًا، كون بيت النفس بات «مكنوسًا» (متّى ١٢: ٤٤).
هذا كلّه يساعدنا على أن نحفظ قلبنا ممدودًا نحو محبّة الله، ومنه نحو محبّة القريب. وعلامة حركة الامتداد هذه، العموديّة والأفقيّة، إنّما هي المسامحة التي نعيشها مع قريبنا. فسعينا لأن يكون قلبنا صافيًا وأن يكون مكانًا لنعمة الله، يعني بشكل عمليّ سعيًا حثيثًا لأن نتصالح مع قريبنا ومع الله. فالغفران الذي أفيض به على أخي في الإنسانيّة لا ينفصل عن النبع الذي يسقي هذا الغفران وهو الله. هذا نعيشه من دون دعاية وثرثرة وتبجّح، بل في عمل القلب الداخليّ، بمخافة الله والفرح بعطيّته لنا بآن. فخسارة هذا الفرح السرّيّ الآتي من نعمة الله هو علامة غياب الغفران في قلبنا تجاه الآخرين.
إذًا ميدان الصوم الكبير هو المناسبة لنستعيد فيها الفرح الآتي من الربّ، والذي يسكبه غفران الله فينا، والذي نزرعه في قلوب أترابنا عندما نتخلّى عن كلّ ضغينة وحقد في قلوبنا تجاههم (متّى ٦: ١٤). لذا يبقى وجه الصائم مرآة لمكنونات قلبه، وجهًا فرحًا بنعمة الله المسكوبة في قلبه ومنه على أخيه في الإنسانيّة (متّى ٦: ١٦-١٨). فكنزي هو المسيح المشرق في قلبي، وكلمته الحاضرة في ذهني، ونعمته التي تحرّك كياني وتظلّل علاقاتي (متّى ٦: ٢١). هلّا اكتسبنا الحكمة في اختيار هذا الكنز، ومشاركتنا إيّاه أخينا، والشهادة الشاكرة لمن أعتقنا من الخطيئة؟
+ سلوان
متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما
(جبل لبنان)
الرسالة: رومية ١٣: ١١-١٤: ٤
يا إخوة إنّ خلاصنا الآن أقرب ممّا كان حين آمنّا. قد تناهى الليل واقترب النهار فلندعْ عنّا أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسلكنّ سلوكًا لائقًا كما في النهار، لا بالقصوف والسِّكر ولا بالمضاجع والعهر ولا بالخصام والحسد، بل البسوا الربّ يسوع المسيح ولا تهتمّوا بأجسادكم لقضاء شهواتها. من كان ضعيفًا في الإيمان فاتّخذوه بغير مباحثة في الآراء. من الناس من يعتقد أنّ له أن يأكل كلّ شيء، أمّا الضعيف فيأكل بقولًا. فلا يزدرِ الذي يأكل من لا يأكل، ولا يدنِ الذي لا يأكل من يأكل، فإنّ الله قد اتّخذه. من أنت يا من تدين عبدًا أجنبيًّا؟ إنّه لمولاه يثبت أو يسقط، لكنّه سيثبَّت لأنّ الله قادر على أن يثبّته.
الإنجيل: متّى ٦: ١٤-٢١
قال الربّ: إن غفرتم للناس زلّاتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ أيضًا، وإن لم تغفروا للناس زلّاتهم فأبوكم أيضًا لا يغفر لكم زلّاتكم. ومتى صمتم فلا تكونوا معبّسين كالمرائين فإنّهم يُنكّرون وجوههم ليظهروا للناس صائمين. الحقّ أقول لكم إنّهم قد استوفوا أجرهم. أمّا أنت فإذا صُمْتَ فادهن رأسك واغسل وجهك لئلّا تظهر للناس صائمًا بل لأبيك الذي في الخفية، وأبوك الذي يرى في الخفية يُجازيك علانية. لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يُفسد السوس والآكلة وينقب السارقون ويسرقون، لكن اكنزوا لكم كنوزًا في السماء حيث لا يُفسد سوس ولا آكلة ولا ينقب السارقون ولا يسرقون، لأنّه حيث تكون كنوزكم هناك تكون قلوبكم.
صوم المصلّي
وعمل السوس والصدأ والسارقين