من أجمل ما في صيامنا انه في أيامه الطويلة يبقينا في عمق الروح القدس وعمق روحنا. اذ نستطيب بقاءنا في هذا الجهاد الطيب قاطفين منه أطايب الروح. من جمالات هذا الموسم بقاء كل يوم منه حاملا ارسالا من الروح القدس الى كل منا بحيث يحمل كل يوم الكلمات الجميلة إياها ويطيب النفس بالنعمة الواحدة المستمرة. وهذا يوضح ان القصد الإلهي ان نأكل كلمات الرب كما أمر الرب حزقيال قديما.
عندما يقول السيد: “أنا الخبز النازل من السماء« يريد انه حقا غذاء لنفوسنا بمعنى انه يسكب نفسه في نفوسنا وعقله في عقولنا لنصير معه واحدا كما وعدنا في صلاة الكاهن العظيم التي رفعها الى الآب في العشاء السريّ. والخبز السماويّ يعني اولا كلمته. كذلك يعني القرابين الإلهية. مسيرتنا مع يسوع المبارك مسيرة الى الوحدة معه ووحدتنا به مع جميع البشر.
مؤسسة الصوم وجدت منذ البدايات لتجعلنا في حركة الى القيامة. لولا الفصح ما وجد الصوم الأربعيـنـي المقـدس. الصـوم فـيـه حـمـية ولكن جوهره أن ننتقل من طعام الأرض الى الطعام السماوي يوما بعد يوم بالصلوات المتاحة لنا والإمساك عن كل ما هو غير إلهي لكي يصبح المسيح ذاته طعاما. هو أراد ان يصبح طعاما لنا. وكما يتحول الطعام الى جسدنا يصير السيد واحدا مع كياننا بحيث يصح قوله: أنا أنتم وأنتم أنا. لقد قال المخلص المبارك: “أبي يعطيكم الخبز السماوي الحق لأن خبز الله هو الذي ينزل من السماء ويعطي الحياة للعالم« (يوحنا ٦: ٣٢ و٣٣).
معظم الشرّاح يقولون ان المُراد بهذا هو القربان المقدس. هذا صحيح ولكن المراد الأول هو المسيح نفسه المعطى لنا بكلامه اولا ثم المعطى بجسده ودمه الكريمين. نحن نتقبل المسيح مباشرة بالروح القدس وفي صوَر مختلفة بالكلمة الإنجيلية والخدم الإلهية وإلهام روحه القدوس، ذلك الذي يعطي كل إنسان اذا قرأ الكتاب العزيز أو شارك في صلواتنا أو أحب الفقراء وزار المرضى وافتقد الفقراء.
الصيام ليس فقط حمية عن طعام. وهو قبل كل شيء اتحاد روحنا بيسوع وان نقبل كل نعمة منه وان تطابق سيرتنا كل كلامه.
الحمية وسيلة لتذكرنا بأن طعامنا الحقيقي هو الخبز النازل من السماء. نحن نمسك عن خبز الأرض لنتوقع نزول الطعام الإلهي في قلوبنا.
كل ما نقوم به بمحبتنا ليسوع يوصلنا الى وجهه المبارك. كل أشياء الدنيا مجرد وسيلة لنرى وجهه. “ليرتسم علينا نور وجهك يا رب«. اذا لم ينزل علينا هذا النور نبقى في عتمات خطايانا.
الصيام موسم غفران الرب لنا لأنه موسم توبتنا. نحن طلاب وجهه والباقي نعطاه زيادة. الصوم مسيرتنا الى الفصح وفي الفصح تزول خطايانا ونرتقي الى وجه السيد. نوره ينزل علينا كل يوم. في كل يوم نتوق الى الفصح. ونعطى العيد جزئيا يوما بعد يوم حتى لا يبقى فينا أثر للظلام.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: عبرانيين ١٤:٤-٦:٥
يا إخوة اذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات، يسوع ابن الله، فلنتمسّك بالاعتراف، لأنّ ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لأوهاننا بل مجرَّب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطيئة. فلنُقبل اذن بثقة الى عرش النعمة لننال رحمة ونجد ثقة للإغاثة في أوانها. فإن كل رئيس كهنة متّخذ من الناس يقام لأجل الناس فيما هو لله ليقرِّب تقادم وذبائح عن الخطايا في إمكانه أن يُشفق على الذين يجهلون ويضلّون لكونه هو أيضًا متلبّسًا بالضعف، ولهذا يجب عليه أن يُقرِّب عن الخطايا لأجل نفسه كما يقرِّب لأجل الشعب. وليس أحد يأخذ لنفسه الكرامة بل مَن دعاه الله كما دعا هرون. كذلك المسيح لم يُمجّد نفسه ليصير رئيس كهنة بل الذي قال له: «أنت ابني وأنا اليوم ولدتُكَ«، كما يقول في موضع آخر: «أنت كاهن الى الأبد على رتبة ملكيصادق«.
الإنجيل: مرقس ٣٤:٨-١:٩
قال الرب: من أراد أن يتبعني فليكفُـرْ بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني، لأن مَن أراد أن يخلّص نفسه يُهلكها، ومَن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلّصها. فإنه ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، أم ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسـه؟ لأن من يستحيي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ يستحيي بـه ابـنُ البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القديسـين. وقال لهم: الحق أقول لكم إن قوما من القائمين ههنا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة.