“عظيمٌ هو سرُّ التقوى، أللهُ ظهرَ في الجسد” (1تيموثاوس 3: 16).
في هذا الكلام الَّذي يوجِّههُ الرَّسول بولس إلى تلميذه تيموثاوس دلالة واضحة على ألوهيَّة المسيح. هناك، أكثر من ذلك، توجيهٌ لنا نحن الَّذين نتهيَّأُ لاستقبال عيد الميلاد.
“اللهُ ظهرَ في الجسد”، هذا يعني أنَّ صفات الله كلَّها بإمكاننا، إن شِئْناَ، أن نعيشَها ونحن في الجسد. لقد باتَ الرَّبُّ يسوع الإله-الإنسان مِثالاً لنا نقتدي به، بَدْءًا من ولادته في مذود البهائم ، إذ يقول الإنجيليّ لوقا عن العذراء مريم والدة الإله:
“فوَلَدَتِ ابنَها البِكْرَ وقمَّطَتْهُ وأضجعَتْه في المذودِ إذ لم يكن لهما موضِعٌ في الفندق” (لوقا 2: 7).
يا له من تواضعٍ! إلهُنَا، خالقُنا، يولَدُ في مذود البهائم لكي ينتشِلَنا من بهيميَّتِنا. التَّنازُلُ الإلهيُّ هذا، لا بل محبَّةُ الخالِقِ القُصوى هذه سوف تستمرّ من الظُّهور الميلادي الوضيع حتَّى الصَّليب وبزوغ القيامة إذ إنَّه بالصَّليب قد أتى الفرح لكلِّ العالم.
كلُّ فضيلةٍ نمارِسُها بدون تواضعٍ لا قيمةَ لها.
* * *
وأكثر من ذلك نقوله في هذه المناسبة للظهور الإلهي الأوَّل الميلاديّ: التَّقوى المُشار إليها سابقاً ما هي إلاَّ الإيمان العميق الَّذي يخصُّنا والَّذي لا ريبَ فيه. “والإيمانُ بدون أعمالٍ ميت”(يعقوب 2: 26). يقول القدِّيس يوحنَّا اللاهوتيّ في مقدِّمة إنجيله: “الكلمةُ صارَ جسداً وحلَّ فينا” (يوحنا 1: 14).”صار جسداً” أي إنساناً مثلنا، و”حلّ فينا” أي بنعمة الروح القدس، بعد أن حلّ في أحشاء مريم. بعد تجسّده من العذراء يتكوَّنُ فينا المسيح، فكيف نكون مسيحيِّين ولا نتشبَّه بفضائلِ المسيح؟
* * *
ولادةُ يسوع هي ولادتُنا نحن أيضًا بالروح القدس. “وُلِدَ المسيحُ طفلاً جديداً، وهو إلهُنا الَّذي قبل الدُّهور” .
في هذا العيد نشارِكُ الأطفالَ: “إن لم تعودوا وتصيروا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السَّموات”. لكن أيُّ أطفال؟ كلُّ الأطفال، وبخاصَّة المساكين، المحرومين، الفقراء إلى الخبز المادِّيِّ والخبز الرُّوحيّ. هل نمارِسُ ذلك في عيد الميلاد؟ هل نفتقِدُ الفقراءَ الـمُعْوَزِين، الأرامِل واليتامى؟ هل نلتقي، على الأقلّ، بالمولود يسوع، في مغارةِ قلبِنا السَّوداء ، بالتَّواضُع والتَّوبة؟ هل يتنازَلُ الوُجَهَاءُ ويأتونَ إلى الكنيسةِ للسُّجودِ للإلهِ المولودِ طفلاً؟
العيدُ اليومَ هو في مشاركةِ الـمُعَذَّبين بكلِّ أنواع العذاب، هناك الألم البشريُّ وهناك الفرح الإلهيّ.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 52، الأحد 23 كانون الأول 2012