بعد أن عيّدنا عيد الظهور الإلهي الذي أَقمنا فيه ذكرى معمودية المخلّص في نهر الأردن، تقرأ علينا الكنيسة اليوم من بشارة الإنجيلي متّى فصلًا يتكلّم فيه عن النُّور، يذكر فيه مقطعًا من إشعياء النبي يتكلّم عن جليل الأمم: «أرض زبولون وأرض نفتاليم، طريق البحر، عبر الأردن، جليل الأمم. الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في بقعة الموت وظلاله أشرق عليهم نُور» (إشعياء ٩: ١-٢). تُسمّى المنطقة «جليل الأمم» لأن كثيرين من الأمم (أي غير اليهود) كانوا يقطنونها، وهي المقاطعة التي عاش فيها السيّد في كفرناحوم على بحيرة طبريّا. قد تدفّق عليها النُّور بمجيء يسوع.
انتهى المقطع الإنجيلي بكلمات الرسول متّى: «توبوا فقد اقترب ملكوت السموات». هذا لا يعني ان نهاية العالم قد حلّت. لم يتكلّم يسوع آنذاك عن نهاية العالم، ولكنّه كان يتحدّث عن مجيئه هو: توبوا فإني سوف أكون ميتًا عنكم إذا رُفعت على الصليب وخرجتُ من القبر. هذا هو ملكوت السموات أن يكون المسيح ملكًا على النفوس وأن ندخل نحن في ملكه، في سيادته، وأن نتيح له أن يسودنا، ويسودنا يسوع بالطاعة اذا نحن أطعناه. نحن عند ذاك «في ملكوت السموات».
الإنسان حيثما هو يكون في ملكوت الله إذا جعل نفسه عبدًا لله، ومطيعًا لله وللإنجيل في كل شيء، ومحافظًا على كلّ فضيلة إنجيلية وراغبًا في الفضيلة. ملكوت الله قائم وموجود وليس بعيدًا عن أي منّا، ولكن يجب مع ذلك أن ندخل إليه.
الإنسان يسحب نفسه من الملكوت أو يُدخل نفسه إلى الملكوت، يسحب نفسه من الفضيلة أو يُدخل نفسه إلى الفضيلة. ولهذا قال لنا الإنجيلي «توبوا»، أي توبوا حتى تشاهدوا ملكوت الله. الأعمى لا يشاهد النُّور ولكن النُّور موجود. هكذا نحن أيضًا لا نشاهد ملكوت الله إذا كنّا في الخطيئة أو إذا كنّا على عقيدة سيئة، لكن ملكوت الله موجود.
ولهذا يقول لنا الإنجيل: غيّروا أذهانكم، غيّروا أفكاركم فتَحيوا في الملكوت الآن وهنا. التوبة لا تعني فقط أنّنا نأتي من وقت إلى آخر إلى الكاهن ونعترف ببعض الخطايا الكبيرة أو الصغيرة. هذا جيّد لكنه لا يكفي لأنه ليس بالتوبة العميقة. التوبة العميقة هي أن يغيّر الإنسان أفكاره السيئة. هذا معنى كلمة توبة باليونانية: ان يغيّر الإنسان توجُّه أفكاره.
يتحدّانا إنجيل اليوم بقوله: «توبوا فقد اقترب ملكوت السموات». توبوا فإنكم في الملكوت الآن. إن سمعتم صوته فلا تُقسّوا قلوبكم. افتحوا قلوبكم ليتدفّق نُور المسيح فيها فيصبح المسيح ملكًا عليكم وحده وأنتم في ملكه أبناء.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: أفسس ٤: ٧-١٣
يا إخوة لكل واحد منا أُعطيت النعمة على مقدار موهبة المسيح. فلذلك يقول: لمّا صعد إلى العلى سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا. فكونه صعد، هل هو إلا أنه نزل أولا الى أسافل الأرض؟ فذاك الذي نزل هو الذي صعد أيضا فوق السماوات كلها ليملأ كل شيء، وهو قد أَعطى أن يكون البعضُ رسلا والبعض أنبياء والبعض مبشّرين والبعض رعاة ومعلّمين لأجل تكميل القديسين ولعمل الخدمة وبنيان جسد المسيح إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدة الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى مقدار قامة ملء المسيح.
الإنجيل: متى ٤: ١٢-١٧
في ذلك الزمان لما سمع يسوع أن يوحنا قد أُسلم، انصرف إلى الجليل وترك الناصرة وجاء فسكن في كفرناحوم التي على شاطئ البحر في تُخوم زبولون ونفتاليم ليتمّ ما قيل بإشعياء النبي القائل: أرض زبولون وأرض نفتاليم، طريق البحر، عبر الأردن، جليل الأمم. الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورا عظيما والجالسون في بقعة الموت وظلاله أشرق عليهم نور. ومنذئذ ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات.