في الفترة الأخيرة ازداد الكلام عن ما يسمى الحركة المسكونية، وعن طبيعة علاقات الكنيسة الأرثوذكسية مع الحركة المسكونية. فارتئينا ان نقدم بعض المعلومات العملية التي قد تنير القارئ وتنبهه لبعض نشاطات الحركة.
الحركة المسكونية هي عبارة عن مبادرة قام بها عدد من اللاهوتيين الارثوذكسيين وغيرهم من اللاهوتين من طوائف أخرى. هدفها كان العمل على تقريب العالم المسيحي من بعضه، وفتح باب التبادل الفكري والنقاش اللاهوتي بين الطوائف المسيحية. وبذلك تقريب الفكر وكسر الحواجز التاريخية الموجودة بين الطوائف. للأسف هذا الهدف الذي وضعه المؤسسون لهذه الحركة لم يدم طويلا، فبعد عدة أعوام من تأسيسها وبدء عملها، تم تغيير الهدف إلى توحيد العالم المسيحي تحت رئاسة واحدة وهي رئاسة البابا، وإعادة الشركة بين المسيحين في العالم بشرط قبول البابا.
هذا التغيير بالهدف، والذي ظهر وتبين بشكل جلي من خلال ممارسات اللاهوتيين غير الأرثوذكس، أدي إلى انسحاب المؤسسين الأرثوذكس من الحركة، مثال الأب جورج فلورفسكي الذي في أحد مقالاته المتعلقة بالحركة المسكونية صرح: “أومن وأنا واثق أن الكنيسة واحدة ولم تنقسم، وأن الوحدة الوحيدة التي أرجوها هي العودة الجماعية إلى الأرثوذكسية.” بعد إنسحاب اللاهوتيين الأرثوذكس من الحركة المسكونية، وبالطبع وجد أرثوذكسيين آخرين بقواعد لاهوتية ركيكة. إنضموا إلى الحركة المسكونية ليكملوا مسيرتها الجديدة.
سياسة الحركة المسكونية تظهر جليا عند قراءة كتب أو مقالات أعضاء الحركة، فهي تتبع سياسات عديدة منها السياسة العامة، والتي تختص بطائفة معينة على المستوى العالمي، والسياسة الجغرافية، والتي تختص بطوائف مسيحية في منطقة جغرافية واحدة، والسياسة الخاصة، التي تختص في بطريركية معينة.
تبدأ الحركة المسكونية بالسياسة العامة، بحيث تقوم بتبسيط قيمة الإختلافات العقائدية الموجودة بين الطوائف ثم تقوم بتغير أسماء هذه الطوائف إلى أسماء لا تدل على عقيدتها ، وإنما أسماء لها صلة بالكنيسة الأرثوذكسية بشكل خاص. وبهذه الطريقة تختفي الأسماء القديمة – مع بقاء الهرطقة – التي تم إدانتها من قبل المجامع المسكونية السبعة، وبهذا يتم تمويه الحقيقة بأن الموجودين الآن ليسوا مدانين من قبل المجامع المسكونية.
ومن الأمثلة على هذه السياسة، هو حال متبعي الطبيعة الواحدة، فكان اسمهم على طوال السنين (مونوفيسيت) وبهذا الإسم تم إدانتهم في المجامع المسكونية، فقامت الحركة المسكونية بتغيير اسمهم الي (ميافيسيت) والتي يعطي نفس المعني ولكن بتعبير آخر. ولأن هذا التعبير قريب من التعبير الأصلي فإنه يتم وبشكل تدريجي تغيير إسمهم إلى (اينوفيسيت). مثال آخر هو مثال النساطرة، فقد تم تغيير إسمهم إلى كنيسة الشرق!
لابد هنا ان نقف عند مثال النساطرة، وذلك لجدية الموضوع، حيث أن المسكونيون يدعون أن النساطرة لايتبعون نسطوريوس وأن نسطوريوس كان أرثوذكسيا. إدعائهم صحيح جزئيا، بحيث أن النساطرة يتبعون تعاليم ثيودورس موبسواستيس معلم نسطوريوس، ونسطوريس تلميذه. فنلاحظ ان نسطوريوس وثيودور يعتبران قديسان لديهم، ويتم تكريمهم في كل ليتورجياتهم، ونلاحظ أن اسم والدة الإله غير مذكور في الليتورجيا التي يتبعها النساطرة! أما من جهة أن نسطوريوس لم يكن هرطوقي، فإن نسطوريوس رفض تغيير تعبيرة (والدة المسيح) الي (والدة الإله) لأنه لم يؤمن بأن المسيح ولد من والدة الإله كإله.
السياسة الجغرافية للحركة المسكونية هي محاولة تقريب الطوائف التي تتواجد في منطقة جغرافية معينة، تتم المقاربة من خلال إنشاء مؤسسات محلية للمسيحين، من خلال هذه المؤسسات يتم دعوة الكهنة من مختلف الطوائف للتكلم مع الشباب، وطبعا دعوة الكهنة ذو الفكر المسكوني للترويج بطريقة دقيقة للحركة. تدريجيا يتم تنظيم صلوات جماعية لموضوع عام، كصلوات السلام، صلوات تحرير الأسرى. فيقع الإنسان البسيط والكاهن البسيط في شباكهم دون دراية.
وفي حال أن مثل تلك اللقاءات لم تنجح في تقريب الطوائف من بعضها، فإن الحركة تقوم بتوفير العوامل المناسبة للاضطرار للقاء، منها زيارات مكانية للاكليروس، او زيارات ممثلي مجلس الكنائس العالمي. وغيرها.
وكمرحلة أخيرة تأتي السياسة الخاصة، هذه السياسة تختص بالبطريركيات التي لا تعطي أهمية للحركة المسكونية ولا تتبع تعاليمها. وهدف هذه المرحلة جرّ البطريركية إلى المسكونية عنوةً. طبعاً الأساليب المتبعة هنا متنوعة ولاتتم تحت شعار الحركة المسكونية بل تحت شعارات اخرى لا تتم بصلة إلى الحركة المسكونية. أحد الأساليب التي تنتمي إلى هذه السياسة هي إنشاء حركات تقوم بالعمل ضد البطريركية المعينة، وباهداف معينة، بحيث تحاول إضعاف الأصوات الصارخة بالحق في هذه البطريركية وإعلاء صوت المسكونين داخل البطريركية والترويج لهم. اساس هذه الخطوة إضعاف شعبية الغير مسكونين وتلفيق التهم لهم، والتجديف على اسمائهم. لتحقيق هذا الهدف يتم استخدام عاطفة الشعب واشعال غضبه ضد الاكليروس أو المطران أو البطريرك، ويتم دعم الشعب من قبل الكاهن أو المطران المسكوني ليكتسبن الشعبية المطلوبة كمحاربين مع الشعب.
من أمثال هذا الأسلوب هي الحركات التي تعمل تحت غطاء الوطنية، لتحقيق أهداف المسكونية، فهذه الحركات ليس لها تسجيل حكومي أو أهداف تأسيسية واضحة. وإنما تعمل بشكل مستمر بتمويل “شخصي” حسب ادعائهم لمحاربة الاشخاص المعارضين للحركة المسكونية.
الثالوث القدوس يحفظكم أجمعين.
+لفرينديوس
23\03\2016