قام الالتزام المسيحيّ على جِدّيّة العلم بفكر المسيح. هذا، من قواعد طاعة الحياة، يدلّ على أنّ الإنسان، أيّ إنسان نال مسحة الروح في معموديّته، مسؤول عن كنيسة الله وشهادتها في الأرض.
هذا لم يحصره زمان انطلاق المسيحيّة، بل كان نهجها في غير عصر. فالمسيحيّة لا تتبدّل بتعاقب الأزمنة، بل تفرش، في غير زمان ومكان، لونها الذهبيّ الذي نسج لها مسيحُ الله ثوبَها منه.
عَنونتُ هذه السطور بكلمةٍ تدلّ على وظيفة كنسيّة تحمل هذه الرؤية، أي العرّاب. ولكنّ المعروف أنّ هذه الوظيفة الكنسيّة عادت، في كثير من الأحوال، غريبةً عن رؤيتنا الكنسيّة، أي تحكمها القرابة العائليّة والاجتماعيّة… صرنا لا نختار عرّابًا (أو عرّابة) من الملتزمين القادرين على أن يرعوا أولادنا بالمسيح، أي أن يكونوا آباء روحيّين لهم، بل نأتي بأيّ قريب كان. المهمّ أن يخصّنا، قريبًا أو صديقًا. وهذا جديد على المسيحيّة التي لا تُعلّي قرابةً أو صداقة، في وظائفها الكنسيّة، في سوى المسيح يسوع.
هل يمكن أن نستعيد صحّة هذه الوظيفة الكنسيّة وفق ما حدّده تراثنا؟
هذا جوابه يفترض جرأةً كبيرةً من ذوي الطفل الذي تُطلب له المعموديّة، وتاليًا تواضعًا كبيرًا من أقارب أهله وأصدقائه. في العالم المتمدّن، الإنسان يقبل نفسه كما هو. هنا، أي في مجتمعاتنا، يقبل الإنسان نفسه كما نُقدّمه عائليًّا أو مجتمعيًّا. هذا جعل موقف علماء الليتورجيا في كنيستنا من استعادة خدمة العرّاب أن يكون سلبيًّا. كثيرون أعلنوا أَسَفهم على تقهقُر حضور هذه الخدمة.
هذا يفترض سؤالاً آخر: هل صحّة وظيفة العرّاب تتعلّق بالناس فقط، أو بالكنيسة أيضًا؟
هل تراني أَستدرج نفسي إلى دعوة الكنيسة إلى أن تقسو، قليلاً أو كثيرًا، على المؤمنين؟
أجل، فالكنيسة، إن قست علينا (إن كنّا لم نرتقِ إلى قناعاتها المخلِّصة)، فلخيرنا. أجل، أنتظر موقفًا من قادة الكنيسة أقسى (وإن لم أُعتبَر أتدخّل في ما لا يعنيني، فمن قادة الكنيسة الغربيّة أيضًا). لا يجوز التفريط في خدمة المعموديّة. العرّاب أساس، أي ليس زينةً أو رافعةً يحمل الطفل في خدمةٍ مدّتُها نصفُ ساعة ينتهي دوره بانتهائها! لا يمكن أن تقوم خدمة المعموديّة من دون وجود عرّاب. وإن كان لهذا العرّاب صفاتٌ تُخوّله أن يكون على مستوى مسؤوليّاته، فهذه لا يجوز إهمالها أو التنازل عنها.
في مجتمع متعدّد، يصعب أن تحكم إجراء الزواج ضمن المذهب الواحد. هذا لا أقوله بهدف انتقاد الزيجات المختلطة أو فتح سطوري على الكلام عليها إيجابًا أو سلبًا. لكنّني أَذكرها فيما نعلم جميعنا أنّها، خيارًا ممكنًا، تفتح أسئلةً جِدّيّةً على ما تُنتجه هذه الزيجات. لكن، على ذلك، أودّ أن أقول، بأخويّة ترجو الخير العامّ، إنّ الذين يتزوّجون في كنيسة معيّنة لا يحقّ لهم أن يفرضوا قناعاتهم عليها، بل أن يخضعوا هم لقناعاتها. هذا أمر يجب أن تقرّره الكنائس شرطًا لأيّ زواج تعقده. بلى، من الممكن أن يدفع هذا القرار أشخاصًا إلى أن يتركوا كنيستهم إلى أخرى. هذا يمكن استباقه بحوارات يجريها المسيحيون بعضهم مع بعض. هذا يهمّنا جميعًا. يجب أن ينتهي كلّيًّا زمان فتح أذرع الكنائس لاستقبال الذين لهم اعتراضات على كنيستهم. هذا يؤكّد المحبّة، ويدلّ، أيضًا، على صدقنا في طلب استرجاع وحدتنا.
أشعر بأنّ سطوري من الممكن أن تزعج إخوةً لم ينضج التزامهم الكنسيّ. ولكنّنا مدعوّون، في كلّ شيء، إلى أن نأتي من تراثنا الحيّ الذي يلزمنا أن نأتي بعرّابين يركن أولادنا إلى حبّهم للمسيح إلهنا وقدرتهم على أن يُعلّموهم الحقّ في دنيا كاد طلب الحقّ فيها أن يغدو من حكايات العجائز! أعتقد إن
قُرئت هذه السطور بمحبّة مثلما دُوّنت، فإنّ أيّ أب أو أمّ سيجدان أنّ واضعها لم يُردْ لهما ولأولادهما سوى الخير، الخير كلّه. العرّاب وظيفة كنسيّة، أي ليس وظيفةً اجتماعيّة. قلت إنّه أوّل أب روحيّ لأولادنا. هذا شأنه أن يساعدهم على أن يختبروا حرّيّة الحياة في المسيح في عالمٍ صار معظمه سجنًا كبيرًا.
في بعض الكنائس الأرثوذكسيّة في العالم، ممّا يبيّن مدلول العرّاب على أنّه أب روحيّ للطفل، عند ولادة الطفل يُطلِق هو، أي العرّاب، اسمًا له. هذا لا يدلّ، فقط، على أنّ الزوجين يتّفقان على اختياره قبل إنجاب ولدهما، بل، أيضًا، يدلّ على أنّه شخص له في حياتهما مكانةٌ اللهُ قرّرها له ولهما!