هدف الزواج اكتشاف كمال الحبّ. رحلة الاكتشاف هذه تجعل الزواج رحلة خلاص. يكتب موسى الراهب: «يأتي شخصان إلى شركة الزواج ليساعد كلّ منهما الشريك في خلاصه». يستخدم القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم صورة المسيح في عرس قانا، «لو سألتَ المسيح، سوف يصنع لك معجزة أعظم من قانا»، أي أنّه سوف يحوّل «ماء أهوائك» الراكدة إلى خمر «الاتّحاد الروحيّ».
يبني كلّ الأزواج توقّعاتهم حول أمرين: حول شكل الزواج، وحول الشريك الذي نرتبط به. معظم هذه التوقّعات مبنيّة على صور نمطيّة عن الزواج من وسائل الإعلام، أو الروايات الخياليّة، أو الثقافة الاجتماعيّة، التي من نواح كثيرة تغذّي المحوريّة الأنانيّة… يمكن أن تؤدّي هذه الأنواع من التوقّعات إلى الكثير من خيبات الأمل والصراعات في الزواج. ولو نظرنا إلى الزواج كتلبية «لاحتياجات»، رغبات، فسوف يبدأ الشريك بالشعور بآثار تلك الأنانيّة بعد فترة قصيرة، وسيذهب إلى ردّ فعل «أنا لست عبدك»، «أنا لست خادمتك»، إذ يتوقّع الشريك أن يكون محبوبًا، لا أن يُستخدم.
لن يحقّق الزواج رغباتنا، بل هو سوف يحوّلها من رغبات أنانيّة، أريدها أنا، الى ما يريده الله. هذا هو الانسجام الزوجيّ الحقيقيّ: هو أن يحبّ كلّ من الشريكين الآخر بالمحبّة المسيحيّة، لا بناءً على ما يريدان أو يتخيّلان أن يكون الشريك عليه، بل على من هو بحقيقته.
التوقّع الآخر الذي يجب تغييره، هو توقّعاتنا عن الشريك، لأنّه في رحلة الزواج هذه، سيكتشف كلّ منّا أنّ الشريك الذي تزوّجنا به يختلف عمّا تخيّلناه، أو توقّعناه، أو حتّى ما أردناه. سوف تكتشف أنّ شريكك يعاني مشاكل أكبر ممّا كنت تعتقد: هو أكثر أنانيّة، أقلّ نضجًا، وهذا يؤدّي إلى خيبات عدّة. يصل الجميع إلى هذه المرحلة في الزواج، لأنّ الزواج هو رحلة اكتشاف الآخر المختلف. عندما تكتشف أنّ هذا ليس الشخص الذي اعتقدت أنّك تزوجته، قد يبدأ الانقلاب على الشريك أو إلقاء اللوم عليه. والأسوأ من ذلك «استبداله»، بسبب من ثقافة مجتمع الاستهلاك، تعوّدنا أن نعيد المنتج الى المتجر لو وجدنا فيه عيبًا لم نلحظه عند الشراء، «تعرّضت للغشّ، يحقّ لي إعادته»!
في الواقع، في رحلة الزواج الحميميّة سوف تتكشّف لنا أنانيّاتنا، وانكساراتنا وخطايانا كما تلك الخاصّة بالشريك. وسوف يتوجبّ علينا التعامل معها. ويمكن أن تكون هذه العمليّة صعبة، ومخيفة، ومذلّة للغاية. كيفيّة تعامل الأزواج في مواجهة خطاياهم تحدّد نوعيّة زواجهم. نؤمن كمسيحيّين، بأنّ «نعمة» اكتشاف خطايانا، تمكّننا من الابتعاد عنها، والتوبة إلى الله.
من المهمّ العمل مع الأزواج في هذه المرحلة لمساعدتهم على فهم الواقع المؤلم، والدعوة إلى التوجّه نحو الله عبر محبّة الشريك بغضّ النظر عن عيوبه. عبر التوبة عن أنفسنا وعن الشريك، يرأف الله بنا ويشفينا ويملأنا من روحه القدّوس. وكلّما لجأنا إليه بالتوبة، وكلّما اتّجهنا إليه في محبّتنا للشريك، كلّما اختبرنا الفرح الذي يأتي من عيش حياتنا في محبّته.
لذلك، يقوم الحبّ الزوجيّ على محبّة الشريك بحقيقة من هو، حتّى نصل الى حالة آدم وامرأته اللذين «كانا كلاهما عريانين (…) وهما لا يخجلان» (تكوين ٢: ٢٥). أنت لا تحبّ شريكك كما تخيّلته، لكنّك تحبّه بهذا الحبّ الإلهيّ، بـ«معرفة» من اقترنتَ به.
لا نتوقّع أن يكون الزواج «عمليّة استشهاديّة»! عندما نفكر في الشهادة، نفكر في قصص الشهداء المسيحيّين الأوائل الرهيبة عبر التاريخ. لكنّ الأمر، من نواح كثيرة، أكثر صعوبة. عندما أفكّر في الشهادة، أفكر في الموت لنفسي، الموت عن طُرُقي الأنانيّة.
عندما يعلن الأزواج، «لا يمكنني تغيير ما أنا عليه الآن». يكتشفون لاحقًا، «نعم، الله قادر على أن يغيّرني»! من أجل أن يتحقّق ذلك، علينا الاتّجاه إليه. ما يعني الابتعاد عن الثأر للذات، والأنانيّة، والغضب، والجشع، إلخ. هو صراع دائم للانقلاب على أنانيّتي، وموتي عن شهواتي والتوجّه نحو الشريك كعمل من أعمال التوبة الى الله. هذه التوبة اليوميّة عن طرقي هي الشهادة اليوميّة عبر التحلّي بالصبر والطيبة واللطف والمشاركة والتفهّم.
يبقى أنّ النهج الرعائيّ السائد في تقليدنا، أنّ للإنسان دائمًا حرّيّة الخَيَار. لا أستطيع أن أفرض عليك ولا تستطيع أن تفرض عليّ الشهادة، لكن يمكنني أن أقبل خَيَار الشهادة. هل يدعم التوجيه الرعائيّ لشخص ما قدرة الاحتمال لديه؟ قد يساعد، على تمييز الطريق الموافق لله، أي الشهادة على طريق السلام، والقوّة، والفرح. هدف الله في الزواج هو سعادة الإنسان. تأتي السعادة نتيجة تحرير الشريكين من الرغبات الأنانيّة، وتحرير النفس من الحاجة إلى فرض طريقة خاصّة أو السيطرة على الشريك. كلّما نجح في التحرّر من تلك الرغبات، ترسّخت السعادة الزوجيّة يومًا تلو يوم.
Raiati Archives