“أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ :الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ” (1كو 13: 13).
“الآن” هو كلّ لحظة نحياها، لأنّنا لا نحيا إلاّ في “الآن”. لكنّ هذه اللحظة، “الآن”، تحوي فيها كلّ الوجود في الزمان والمكان. أنا “الآن” موجود، قبلُ لم أعد موجودًا وبعدُ لم أصل إليه بعد، ولا أعلم إن كنت سأصل إليه. من هنا، فاللحظة التي نحياها هي كلّ حياتنا، وبالتالي إمّا نكون “الآن” رابحين لحياتنا وإمّا نكون خاسرين لها.
* * *
الإيمان أساسُ وجودِي، إذ، من دون الإيمان بالله وبالحياة الأبديّة، لا معنى لوجودي. من يتعاطى الحياة في هذا الدّهر فقط لا حياة له، لأنّ الإنسان لا حياة له من ذاته بل هي عطيّة من الله. والإيمان يمنحني بُعدًا أُخرويًّا (dimension eschatologique) لكياني وكينونتي، وهذا ما يجعلني أُدركُ حقيقتي المخبوءة تحت الأقمصة الجلديّة التي ألبسها. ما يظهر منّي لنفسي وللآخرين لا يُحدِّدني ولا يَحُدُّني بل يشير إلى من أنا. من هنا أهمّيّة الشفافية بين المخبوء منّي والمنظور لكي أعرف نفسي على حقيقتها ويعرفني العالم على حقيقتي. لأنّ من عرف نفسه دَخَلَ في عمق الإيمان وفي عمق الوجود، لأنّه سيجد الله-المحبّة. من كُشِفَ له قلبه نظر سقوطه وجحوده وعدم أمانته ، لأنّه يعبد ذاته… هو قابع في أنانيّته… هكذا يُدرك أنّ الله محبّة لا متناهية لأنّه يقبله ويمنحه ذاته رغم كلّ ما فيه…
* * *
الإيمانُ سيتحقَّق ويَستَعلنُ، والرّجاءُ سيُنجَزُ ويُتمَّم، والمحبّة ستبقى حياة الدّهر الآتي… من هنا، من عرف الله-المحبّة عرف المحبَّةَ-الحياة وعرف الحياة-الله. ومن عرف الله عرف أنّ المسيح هو الكلّ في الكلّ والموجود في الكلّ ليكون حياة الكلّ في الواحد المثلّث الأقانيم بسَرَيَانِ الروح في جسده – الكنيسة – لكشف معرفة الآب في ابنه بروحه القدّوس في كلّ كلمة منطوقة بروح الله بمشيئة الآب…
أنطونيوس، متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 41، الأحد 9 تشرين الأوّل 2016A