كان الرسل مجتمعين في العلية خوفا من اليهود وكان اليوم الخمسين بعد الفصح. واذا بعاصفة غريبة تهبّ في العليّة المغلقة. الله يرسل روحه بشكل لسان ناريّ على كل تلميذ. جاءت العاصفة، وكانوا روحًا واحدًا، فصاروا هم بدورهم عاصفة، دخلوا في عصر النار، في اللهب الإلهي حيث الكلمة محيية.
لما حلّ الروح القدس على التلاميذ أصبحوا هم أيضًا أناسًا يحرّكهم الروح وكأنهم روح الله في الكون. اي انهم استطاعوا في ذلك اليوم أن يعيشوا المسيح بحيث اتّحدوا به اتحادا كليا. صاروا نارًا تضيء فانطلقوا إلى أقطار المسكونة حاملين في أجسادهم نورًا ونارا.
دعوة العنصرة لنا هي في هذا: كلام المسيح مكتوب، ولكن لا بدّ له أن ينتقل إلى كل نفس نارا ونورا. لا بد لمياه المعمودية التي بها اعتمدنا أن تصبح في كل منا نارا تضيء. لا بد للمسيح أن يحوّلنا اليه بروحه المحيي، فيصبح هو فينا حياة شخصية، ونصبح نحن «رسالة المسيح… مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحيّ. لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية» (2كورنثوس ٣: ٣). هكذا يصبح الإله الخالق إلهي أنا.
الروح القدس هو ذلك الأقنوم، ذلك الوجه الذي يجعل كلام الإنجيل ذا نسمة، كلاما محرِّكا، كلاما مُحييا، والمسيح لا يبقى مُخلّص العالم فقط ولكنه يصبح مُخلّصي أنا.
الانتقال من الإله الكوني الذي يقول به الفلاسفة إلى إله يُواجهني وأُواجهه، صاحب كلام يُحرّك قلبي فيصبح قلبي مقرّ الله. الوجه الذي يفعل كل ذلك هو الروح القدس.
كل منا بحاجة إلى أن يصبح المسيحُ مسيحَه، ورب العالم ربّه. كل منّا بحاجة إلى ان يبطُل اعتقاده في إله يسكن السماء فقط، فينتقل إلى إيمان بإله يسكن في قلوب الناس. القلب وحده هو السماء. كل منا يستطيع أن يصبح إنسانا إلهيا، أن ينير الآخرين بنور المسيح. إنْ أَسلَمَ هو للمسيح تربّع المسيحُ وحده في قلبه.
صلاتنا اليوم (أي صلاة السجدة) صلاة توبة، صلاة تحوّل إلى المسيح، صلاة عودة إلى بيت الآب، صلاة التماس للروح المحيي. والروح يأتي، يأتي لأنه يحب، لأنه هو الذي يقذف الصلوات في نفوسنا. صلواتنا كلها تبقى مجرّد كلمات إن لم يقذفها الروح إلى نفوسنا فتحيا وتصبح قطرات من كلمات الله في نفوس حيّة.
الله فينا. هذا هو الروح القدس. الروح ينزل إلينا ويلتحم بنفوسنا ويُصوّر المسيحَ فينا فتحبل كل نفس بالمسيح وتلِدُه في الأرض ربّا ومُخلّصا.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 22، الأحد 31 أيار 2015