في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول تعيد الكنيسة الجامعة, المقدسة, الرسولية لعيد ميلاد ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح بالجسد.
يجب في البداية التوضيع ان هذا العيد في عصرنا هذا يُعتبر ثاني أشهر وأعظم اعياد الكنيسة الأرثوذكسية على الاطلاق بعد عيد القيامة المجيد. في الغرب لة أهمية أكبر من عيد الفصح والعكس صحيح في العالم الأرثوذكسي.
رغم أن الأنجيل (الذي هو الكتاب الرئيسي في المسيحية) لا يعطي اشارة واضحة أو اي موعد محدد يذكر تاريخ ميلاد السيد المسيح الا ان أباء المجمع المسكوني الأول المنعقد في نيقية سنة 325 قد اصدروا قراراً بالتعيد لة رسميا في السابع من شهر كانون الثاني حسب التقويم اليولياني.
بالتالي ان الارقام والمعلومات توكد انة لم يتم الاحتفال بهذا العيد في الحقبة المسيحية المبكرة التي عقبت موت السيد المسيح وقيامتة.
من المستحسن ان نختصر ما سبق قائلين ان المسيحيين شرعوا بالاحتفال بهذا العيد رسمياً منذ منتصف القرن الرابع.
جدير بالملاحظة الى ان بعض المورخين الكنسيين ينقلون لنا أن مولد المسيح حصل في التاسع عشر من شهر ابريل والبعض الأخر يقول في العاشر من مايو.
ويبدو ان السبب المتعلق بعدم تعييد الكنيسة بهذا العيد لمدة تتراوح لاكثر من ثلاثة قرون قد يبرر وفقاً لما قاله أوريجانوس أن المذنبين فقط كانو يبجّلون أعياد ميلادهم مثل هيرودوس وقبله فرعون, اي الوثنيين.
تَذكُرُ بعض الكتب القديمة ان السبب الذي دفع الكنيسة الى اتخاذ هذا القرار (اي التعيد لعيد الميلاد في السابع من شهر كانون الثاني) هو انة كان هناك وقتها عيداً وثنياً لتكريم الشمس التي كانت عندهم كإله لا يقهر.
أما هدف الكنيسة من اختيار هذا التوقيت بالتحديد هو رغبتها المطلقة في تثبيت حقيقة أن الرب يسوع المسيح هو شمس العدل الذي انار العالم بمجيئة الأول, بالاضافة الى ذلك, طمس الأعياد الوثنية من رمزها ومضمونها الوثني.
اذاً نية الاباء القديسسين من وضع هذا التاريخ لم تكن فقط رمزياً كما يدعي البعض تدليساً وتزويراً بل كما رآه أباء الكنيسة, دعوه الى أن يعيش الموُمنون الحدث الاعظم متنعميين بخلاصهم من الضلال.
أما بالنسبة للاهوت الميلاد فأننا نحتفل بتهللٍ لسر الهي عظيم ألا وهو سر التجسد الإلهي الذي هو من صلب عقيدتنا الارثوذكسية.
فعندما حل ملء الزمان, أرسل الله أبنه الوحيد الذي كان الهاً تاماً منذ الأزل كي يتجسد وبتجسدة َغدَا إنساناً تاماً أيضا متخذاً طبيعتنا البشرية ومشتركاً معنا في كل شيء عدا الخطيئة. أما القديس اثناسيوس الكبير وأخرون, يؤكدون لنا قائلين “صار الله إنساناً ليصير الإنسان إلهاً”. فبدون سر التجسد لكنا مازلنا تحت سلطان الشيطان, الخطيئة والموت. وكما يقول معلمنا بولص الرسول أجرة الخطيئة هو الموت.
المعنى الروحي
تُجمع تفاسير الأباء القديسسين الممتلكين القدرة على التمييز ان الهدف من ميلاد مللك الملوك ورب الأرباب في مغارةٍ فقيرة وحقيرة (اسطبل حيوانات) وليس في قصر أو يناية فخمة هي ان يتعلم البشر التواضع, الوداعة, الترفع عن الامور المادية والخ…
أيضا أختيار مدينة بيت لحم اليهودية التي كانت أنذاك أصغر مدن فلسطين مكاناً لميلاده, تشكل تحقيقا للنبوه
“وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيل” اي صورة لمنتهى تواضع المسيح.
حب الرب للبسطاء وودعاء القلوب يؤكده ايضا بتركيزه على اختيار رعاة فقراء (أي جماعة من هامش المجتمع) كي يكونوا جديرين بالبشارة.
أذاً فحوى الحديث ومضمونه هو ان احتفال المسيحي بعيد الميلاد يلتمس منا تخشعاً, حياة روحية عميقة, حياة مرتبطة بكل ما هو سماوي, بعيدة عن كل أمر مادي وحسي بطريقة لا مثيل لها.
ورغم إن مطلب ملك الملوك هو ان نقدم نفوساً طاهرة, متفانية, صادقة ومخلصة تحبه ألا أن الذي يحدث هو العكس تماماً.
فعند اغلبية الناس, تحول يوم ميلاد الملك السماوي له كل المجد, تدريجيا الى مجرد احتفال شائع, مهرجان للتسوق, عيدٍ لمشاهدة التلفزيونات, التمثيليات المسرحية, التمنطق بالفضة والذهب, الأكل والشرب أكثر من اللازم, دون اي عنصر ديني.
طفل المغارة، مقفَل عليه في المذود حتّى إشعار آخر.
المسيح ولد فمجدوه المسيح اتى من السموات فاستقبلوه استقبالاً لائقاً بكل معنى الكلمة لا بالحلي ولا بثياب جديدة وجيدة بل بثوب المحبة والرحمة لا الاستعباد والاستبداد.
المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة