منـذ سبعـين سنـة ونيّـف، وأنا تـلميـذ مـدرسـة كـاثوليـكيـة، كنتُ في ضيـق كبيـر مما كنـتُ أتلـقّى المسيحيـة من هـؤلاء الرهبان، ولم يكن كاهـن أرثـوذكسيّ قادرًا أن يقول لي كـلمة عن إيماننا. أية كانت تقوى كاهني كنتُ أَحنّ الى الإنجيل والعقيدة، وأحزن أنه كان عليّ أن ألجأ الى الغـرباء عن كنيستي لأعرف شيئًا عن المسيح.
يُحـزنني أكثر فأكثر أن مشهد الجهل عنـدنا لم يـنتـه كليًا ولو تقـدّمنا كثيرًا. طوال حيـاتي الفتيـّة لم أكـن أفهم أن المطـران الذي تعلّم في خالكي او أثينا او موسكو وأَتقـن لغـات كان يقبـل هذا الفرق في المعرفـة بينه وبين كهنتـه. ما كان يبذل ايّ جهـد ليُعلّمهـم شيئًا. كيف كان يقبل أن تكـون أدمغتـهم فارغـة وكتـابـه يقـول لـه ان هناك معلّمين ووعـاظًا وتاريـخ الكنيسـة كشف له أن قادتها كانوا باسيليوس ويوحنا الذهبيّ الفم وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الدمشقيّ ومن إليهم. الفراغ لا يقـدّم الا الفراغ. منذ أربعين سنة أنشأْنا معهدَ اللاهوت في البلمند، وهو إنجاز عظيم، ولكن لا يتسجَّل فيه العـدد الـلازم مـن الطلاب الذيـن نحـتـاج اليهـم. هذا يعـنـي أننـا مضطرّون على رسامة كهنة أُمّيين او شبه أُمّيين. لا يُبذل الجهد الضروري لتقبّل طلاب، والذريعـة أنليس عندنا المال الكافي. اذًا يكـون سعيُنا أن نجد المال لسدّ نفقـات المعهد، ويجب ان نقوم بإحصاء لمعرفـة عدد الكهنـة الذين نحن في حاجة إليهم بعد موت المسنّين منهم. لنفرض مثلا أننا في العشرين سنـة المقبلة نحن في حاجة الى تخـريج أربع مئة تلميـذ او ست مئـة ليملأوا كلّ الشواغر، نكون قد حللنا مشكلة الرعايا التي تنتظر كهنة مثقـّفـين.
يبقى السـؤال لماذا لا يأتينا العدد المطـلـوب مع أنّ هناك حسًّا روحيًّا واضحًا عند الكثير من شباب لنا يودّون الانخراط في خدمة الكنيسة. الجـواب الوحيد عندي أن بعضًا من الذين لا ينخرطون في هذه الدراسة يخشون الفقـر في حياة الكاهن. تاليًا مشكلة معيشة الكاهن مرتبطة بالانتماء الى المعهد اللاهوتي. اذًا السؤال الأساسي هو كيف نستعـدّ في كلً الأبـرشيّات منذ الآن لإيجاد رواتب كافية تُدفع للأربع مئـة او الخمس مئة كاهن الذين نحتاج إليهم بحيث نقول للمتخرّج: بعد أربع سنين، تقضي سنـة او سنتين في التمـرين على الكهنوت في إحدى الكنائس في درجة شمّاس مثلا او كاتب عند مطران تتقاضى معاشًا كافيًا ولا تفتّش محمومًا عن كنيسة غنيّة إذ لا بدّ أن نصل الى وقت يكون المتخرّجون عندنا مستعدّين أن يلتحقوا بأيّة كنيـسة في المدينة أو الريف.
هذا يعني أن حُبّ الدراسة متوفّـر عند عدد من شبابنـا، وأن المشكلـة الوحيـدة ماليّة تُحلّ على مستوى الكرسي الأنطاكي كلّه بسبب فقر بعض الأبرشيـات. اذا كان الإيمـان الأرثـوذكسي يجب أن يُغـذّى في كلّ مكان، تقضي المحبة الأخويّة أن تنصُر الأبرشيةُ الميسورةُ نسبيًّا تلك التي لا تستطيع أن تدفع للكـاهن الآتي راتـبـه. هذا يقضي أُخوّة كبيرة، إحساسًا بالأخ الضعيف.
لندخل إذًا بعلم الإحصاء وتلتهب فينا محبَّة يسوع لإيجاد كهنة لائقين به.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 49، الأحد 4 كانون الأول 2011