عندنا في رسالة القديس الرسول يعقوب الجامعة مقطع شهير لعلّه أفصح وأبلغ ما كُتب عن اللسان (٣: ٢-١٠). يقول الرسول ان اللسان شرّ لا يُضبط ولا يستطيع أحد من الناس أن يُذلله، كأن الرذائل تتجمّع وتخرج في النهاية من الانسان عن طريق اللسان. ويُظهر القديس يعقوب الصعوبة العظيمة القريبة من المستحيل في ضبط اللسان، كما يُظهر الازدواجية الهائلة التي فيه «به نبارك الله الآب، وبه نلعن الناس الذين تكوّنوا على شبه الله. من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة» (الآيات ٩ و١٠).
يقول الرب: «ان كل كلمة بطّالة يتكلّم بها الناس سوف يُعطون عنها حسابًا» (متى ١٢: ٣٦). مشكلة اللسان هي مشكلة الكلام الباطل الذي يصدر عن الانسان: اللعن والشتم والكراهية عن طريق اللسان ومشكلة التجديف. كل هذه لا تُعالج الا إذا كان الانسان يقظًا روحيًا، يسعى إلى محاربة الأهواء والابتعاد عن الخطيئة.
عندنا أيضًـا رمز اللسان الناريّ الذي انحدر على التلاميذ عندما كانوا مجتمعين في العليّة وظهرت ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرّت على كل واحد منهم فامتلأوا من الروح القدس وصاروا يتكلّمون بلغات أُخرى كما أَعطاهم الروح أن ينطقوا (أعمال الرسل ٢: ١-٤). والنار في الكتاب المقدس عبارة تدلّ دائما على التطهير الذي يأتي دائمًا عن طريق التمحيص. النار هي المادة التي تنصهر بسببها المعادن وتنفصل فيها المعادن الثمينة عن المعادن غير الثمينة. النار اذًا علامة تمحيص. واللسان الناري قَسم البشرية إلى قسمين: أناس عندهم تمحيص لأنفسهم عن طريق الله، وأناس لا يمحّصون أنفسهم عن طريق الله أو لا يمحّصونها اطلاقا.
بعد حلول الروح القدس على التلاميذ بشكل ألسنة نارية خرجوا من العُلّية وصاروا يكلّمون الشعوب المختلفة المجتمعة في أورشليم «من كل أُمّة تحت السماء». وكان «كل واحد يسمعهم يتكلّمون بلغته»، أي كان يفهم ما يقوله الرسل. وكأن الكتاب الإلهي يقول ان التخاطب الروحيّ بين الناس لا يمكن أن يصدر الا عن طريق عقول ممحّصة، عقول تدين نفسها دائمًا على ضوء الكلمة الإلهية.
أمام مشهد حلول الروح القدس تُظهر لنا الليتورجيا مشهدا معاكسا هو مشهد برج بابل من سفر التكوين (١١: ١- ٩). برج بابل رمز للبشر الذين أرادوا ان يقتحموا السماء وأن يبنوا الأبراج العالية التي وجدها علماء الآثار في العراق. أراد البشر ان يتَحَدّوا الله، ان يستكبروا ويتعظّموا، ولما وصلوا إلى القمّة العالية من البرج، بلبل الله ألسنتهم وما عادوا يتفاهمون وهم الذين كانوا يتكلمون لغة واحدة عندما كانوا في التواضع خاضعين لله.
نلاحظ ان أهمية كبرى معلقة في الكتاب المقدس على اللسان. إما ان يكون أداة الوحدة بين البشر اذا كان مُلهَمًا من الروح القدس واذا كان الانسان يفحص نفسه دائما على ضوء الروح، أو أن يكون فسادُ الانسان المتكبّر المتعجرف ظاهرًا على لسانه.
يبقى ان مزالق اللسان التي يستخفّ بها الناس ويقولون «بسيطة، زلة لسان» ليست بسيطة، وهي الخطايا بعينها: الكلام البطّال، الشتم والتجديف التي هي تعبير عن الغضب، القَسَم بالله، اغتياب الآخرين الذي يؤذي كثيرا، والثرثرة والنميمة، التي علينا ان نحاربها بالروح القدس ونستعمل اللسان لأجل تبريك الله وقيادة الناس إلى الله.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 48، الأحد 30 تشـرين الثاني 2014
اللسان