تُهيّئنا الكنيسة لعيد ميلاد ربنا يسوع المسيح بتلاوة نسب السيّد المنحدر من إبراهيم ومن داود إلى السحابة من الشهود المشهود لهم بالإيمان كما نقرأ في رسالة اليوم وصولا إلى يوسف والعذراء مريم الأمّ البتول.
عند قراءة هذا النص، تتساءل العقول عن موضوع يُشكك البعض وهو علاقة البتول بيوسف. مريم كانت مُعدّة حسب الشرع لكي تصبح زوجة ليوسف. كانت مخطوبة له، والخطبة زواج قانونيّ بلا مساكنة. وكان الرجل يأخذ الفتاة الى بيته يوم الزفاف. اذن كانت مريم منفصلة عن يوسف ولكنها معتَبرة زوجة له حسب القانون.
لما حبلت مريم بالطفل يسوع كان يحقّ ليوسف أن يشُكّ في أمرها لأنها لم تكن متزوّجة فعليًا. لهذا جاءه قول الملاك ليُزيل كل شك. لذلك أيضا أخذها يوسف إلى بيته حتى يحميها من القضاء لأن الشريعة كانت تحكم على امرأة حبلى وهي بعد مخطوبة ان تُرجَم بالحجارة. وكما يروي الإنجيل، أخذ يوسف امرأته، أي استدعاها إلى بيته، وأقامها فيه ولم يعرفها إطلاقًا، لم يتصل بها.
العقبة الأولى في هذه الآية هي عبارة «حتّى». الكلمة اليونانية المستعملة هنا، مثل الكلمة العبرية، تُحدّد ما جرى الى انتهاء فترة زمنية محددة ولا تعني بالضرورة أن ما حدث بعد تلك الفترة نقيض ما كان. العبارة لا تحمل معنى المضارع بل الماضي. نجد أمثلة كثيرة في الكتاب المقدّس عن استعمال «حتى» مثلا نقرأ أن نوحًا فتح طاقة في الفُلك بعد أن هدأ الطوفان وأرسل الغراب «فخرج الغراب مترددًا حتى نشفت المياه على الأرض» (تكوين ٨: ٧).
أما العقبة الثانية في الآية فتكمن في العبارة «ابنها البكر». هذا لا يعني ما يزعمه البعض أنّ ليسوع إخوة وهو البكر. المعنى واضح في النص الأساسي انه «الأول والوحيد». الابن البكر يُسمّى كذلك لأنه المولود الأول ولو لم يولد أحد سواه.
وبناء عليه فإن التساؤلات حول هذا النص ليس لها موضع وهي ليست شرعية لأن الكتاب المقدّس لم يتكلّم إطلاقًا عن أولاد كانوا لمريم بعد ميلاد يسوع. الكتاب يتحدث عن ميلاد يسوع ولم يتحدث عن شيء آخر. لفظة إخوة يسوع لا ينحصر مدلولها بإخوة له من أُمّه لأن كلمة إخوة كانت تشمل عندهم الأنسباء الأقرباء. والكنيسة المقدسة اعتبرت دائمًا في ما تسلّمته من الرسل ان مريم بقيت عذراء في ولادتها وبعد ولادتها.
ما علينا أن نقبل به من ناحية العقيدة هو أن مريم بقيت عذراء قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة. ليس في الكتاب المقدّس شيء ضد هذا. هذه هي الحقيقة الواضحة، وهذه هي عقيدتنا. وما يهمّنا من الأمر اليوم هو أن مريم الفتاة العذراء كانت ذروة القداسة واستوعبت السيد وكانت له أمّا، وكانت بواسطته أُمّا لنا جميعًا.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 51، الأحد 20 كانون الأول 2015