الفضيلة الصعبة والثمينة
“أمّا ثمر الروح فهو…. طول الأناة“.
إنّ طول الأناة من الفضائل النادرة. فالمرء لا يقتنيها بسهولة. وهناك حاجّة ماسّة اليوم لوجودها في عالمنا، وحاجة كبرى ليقتنيها الإنسان، فهي ستغيّر وجهة نظره، ستفتح أمامه أبواباً لفرص كثيرة، ستخلصه من معارك وتنهدات وأحزان متنوعة.
إنّ فضيلة طول الأناة نافعة جداً للحياة، فهي تعطي نعمة للنفس، ونعمة وفائدة لقلوب الآخرين. تطفئ نيران الغضب وتسكّن الألم، تبعد الخصومات والمشاحنات وتروّض التصرفات البريّة.
إنّها تلك الفضيلة التي تعطي قوّة نفسية تجعل الإنسان يحتمل الأمور بوداعة، ويصبر على الجور والظلم والإهانات والمضايقات من قبل الآخرين. يحتمل ويصبر من دون اضطراب أو بلبلة، من دون غضب أو سخط أو احتواء روح انتقام.فماهية طول الأناة في الإنسان نفس قوية، وقلب شجاع. عالمنا اليوم يتقدّس بثمر وبهاء الروح القدس.
إنّها فضيلة صعبة الاقتناء، يهبها الروح القدس للنفس المتجددّة الممتلئة من المحبّة والطيبة. فمن يحبّ يستطيع أن يتخطّى أخطاء الآخرين وهفواتهم، ويبررها وينساها “المحبّة تحتمل كلّ شيء وتصدّق كلّ شيء” (1كور7:13).
طول الأناة قوة للنفس
تظهر طول الأناة الإنسان ذو عقل راجح، متزن مع رؤية واضحة لأموره. “بطيء الغضب كثير الفهم“(أمثال29:14). من يتحلى بفضيلة طول الأناة يكون هادئاً رزيناً بعيداً عن الضوضائية والصخب.
إنّ سريع الغضب يخلق النزاعات والمخاصمات والطعنات. أمّا طويل الأناة فيطفئ نيران المخاصمات ويهدئ الأرواح. طول الأناة قوة كبيرة للنفس، تجعل الإنسان أقوى من القوي والصلب “البطيء الغضب خيرٌ من الجبار ومالك روحه خيرٌ ممّن يأخذ مدينة” (أم32:16).
إنّ هذه الفضيلة ضرورية الاقتناء للجميع، فهي ثمرة رائعة للروح القدس ووصية الله. على المرء أن يحتمل أخطاء وضعفات الآخر مطبقاً فضيلة طول الأناة.
“بكل تواضع ووداعة وطول أناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة” (أفسس2:4). علينا أن نخرج الثوب الوسخ؛ ثوب حبّ الانتقام، وأن نلبس زيّ طول الأناة. “البسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفاتٍ ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناةٍ” (كولوسي12:3). مثالنا هو الانبياء والقديسون الذين شتموا واضطهدوا وانساقوا إلى السجون لأنّهم تكلّموا باسم الربّ، فصبروا واحتملوا من أجل الربّ بطول أناة.
طول الأناة تريد قلوباً منسحقة
لنكون طويلي الأناة علينا أن نتعلّم الغفران، وأن نكون مستعدين لنغفل عن أخطاء الآخرين، وأن نقبل باستمرار أخطاءهم.
الآخر يخطئ تجاهنا؟ ونحن أيضاً كم من المرات في اليوم نخطئ تجاههم. فكما نريد أن يكون الآخر طويل الاناة مع أخطائنا وعثراتنا، هكذا نحن أيضاً علينا أن نحتمل الآخرين. هل نريد من الآخر مسامحتنا؟ فلنفعل نحن ايضاً كذلك. أنريد ألاّ ينتقموا منّا ، وألاّ يغضبوا من عيوبنا ورذائلنا؟ فلنحتمل ونفعل نحن هذا أولاً، ولنتعلّم ان نسامح ونغفر للآخرين.
نحن أمام الله خاطئين باستمرار. ننغصّ الخليقة من حولنا بقساوتنا اليومية. نهين ونشتم صلاحه بخطايانا. لكنّ الله طويل الاناة لا يدمرنا مباشرة على أفعالنا، بل يحتملنا وينتظر توبتنا . وهو مستعد أن يغفر لنا ويسامحنا إن طلبنا رحمته. “فالربّ رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة“(مز8:103).
الربّ لا يعمل ضدّنا، ولا يرد عقوباته متوافقة مع مقياس خطايانا. يقول روح الله بلسان داود “الرب طويل الروح كثير الإحسان“(عدد18:14). طالما أنّ الله يطيل أناته بشكل لا يحدّ.
كالينيكوس ميتروبوليت بيرياس
نقلتها إلى العربية ماريا قبارة
http://www.orthodoxlegacy.org/
طول الأناة