مدخل:
الفرق بيننا كجماعة مسيحية اليوم، وبين الجماعة المسيحية في الكنيسة الأولى، أن تلك الجماعة كانت وحدة عضوية متماسكة في الرب. لذلك عندما كان يود أحدهم الانضمام إلى عضوية جسد الرب أي الكنيسة، كانت الجماعة كلها تشترك في هذا السر العظيم، أولاً عبر الصوم معه ثم عبر الصلاة له وأخيراً الاشتراك في استقباله عضواً جديداً في الكنيسة وذلك بواسطة طقس سر المعمودية.
أما اليوم فقد أصبحت المعمودية حفلة خاصة يحضرها عدداً من الأشخاص المقرّبين وغالباً ما تغيب عنها روح الإيمان الواعي والملتزم، وتهيمن عليها الاهتمامات الدنيوية من تصوير ولباس وما شابه.
لقد كان الوعي المسيحي في الماضي أن المعمودية هي سر الولادة الجديدة في المسيح يسوع. عبرها يصبح المعمد عضواً في جسد المسيح وتفتح له أبواب الملكوت. ألم يقل الرب: “إن لم تولدوا بالماء والروح لن تدخلوا ملكوت السماوات”. (يوحنا5:3). ولذلك كانت كل الجماعة المسيحية تشهد بأنه قد ولِد أخٌ جديد في العائلة الكنسية.
فالإنسان خُلق على صورة الله ومثاله لكنه بعصيانه خسر بنوّته لله والشركة معه. أما الله، لفرط محبته، لم يٌرد أن يبقى الإنسان بعيداً ومنفصلاً عنه، فتنازل هو بابنه الوحيد يسوع المسيح وتجسد ومات وقام من بين الأموات، وأعاد للإنسان المؤمن به والملتزم إنجيله فردوسه المفقود والصورة الإلهية التي شوهتها فيه الخطيئة.
الرب يسوع المسيح نفسه هو الذي أسس المعمودية عندما أرسل تلاميذه بعد قيامته لنقل بشرى الخلاص قائلا : ” اذهبوا وتلمذوا كل الأمم معمدين إياهم باسم الآب والابن والروح القدس ” (متى19:28)، لأن ” كل من يؤمن ويعتمد يخلص ” (مر16:16) . ومنذ ذلك الحين نرى في أعمال الرسل أن المؤمنين بالبشارة الجديدة كانوا ينضمون إلى الكنيسة بالمعمودية . ” فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم … فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس ” (أع38:2-41) . راجع أيضا أع12:8-13 و38:8 و18:9 و47:10-48و 15:16 و8:18 و5:19 و14:1-16).
معاني المعمودية:
1. المعمودية هي الباب الذي ندخل إلى الحياة في المسيح يسوع . لقد سقط آدم فتغرب عن الحياة الحقيقية والوجود، أي الله، واندسّ في الانسان الموت الروحي وكل نتائجه مثل البلى والفساد والميل إلى الخطيئة وموت الجسد. والمعمودية، ليست محوا لخطيئة جدية ورثناها من آدم، إنها الولادة الجديدة من فوق بعد أن صار الإنسان يولد بطبيعة فاسدة مستعبدة للموت. نعم إنه في المعمودية يولد الإنسان ثانية لا من لحم ودم ولا من مشيئة رجل، بل من الله (يو12:1-13) و3:3-7) وإنه يعود إلى جماله الأول وكيانه الحقيقي.
2. المعمودية اشتراك في موت المسيح وقيامته” وتجهلون أن كل من اصطبغ منا في يسوع المسيح إنما اصطبغ في موته، فدفنا معه في الموت حتى إننا كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب كذلك نسلك نحن أيضا في جدة الحياة، لأن إذا كنا قد غرسنا معه على شبه موته فنكون معه في قيامته أيضا” (رو3:6-5) . في المعمودية يلبس الإنسان المسيح، ويخلع الإنسان العتيق، يموت عن الخطيئة والإثم، ويتجدد بالبر والقداسة،فلا يعود هو الذي يعيش بل المسيح يحيا فيه (غلا20:2) .
3. المعمودية بداية عرس روحي، تصير به النفس عروسة للمسيح، يزينها الجمال الإلهي ويحبها العريس حبا كاملا لا حد له، هو الذي أعطى ذاته للموت من أجلها. المعمودية دخول في حياة جديدة يتجند فيها الإنسان للمسيح، ويتعهد” إلا يرتبك بأعمال الحياة من أجل أن يرضي من جنده” (2 تيمو4:2)، كما يتعهد بأن يكمل السعي وينهي طريق استنارته وتألهه وتجليه “على صورة خالقه” (كول10:3).
4. في المعمودية ينضم الانسان الى الكنيسة، شعب الله الجديد، ويصبح غصنا في الكرمة (يو5:15)، وعضوا في الجسد، الذي رأسه الرب يسوع.
الصلوات الخاصة باستقبال الموعوظ:
بعد أن يتم تسجيل اسم المزمع تعميده في دفاتر المعمودية أي يكتب اسمه في سفر الكنيسة “سفر الحياة”، يحمله أحد عرابيه، ويتقدم به نحو الكاهن لأجل البدء بالخدمة.
ينفخ الكاهن ثلاث مرات راسماً إشارة الصليب وقائلاً: باسم الآب والابن والروح القدس، وذلك لكي يزوده منذ البدء بسلاح الصليب الذي به يقهر الشياطين. ثم يضع يده على رأسه ويتلو صلاة يطلب فيها من الله أن يحفظه تحت ستر جناحيه وأن يبعد عنه الضلالة القديمة ويكتبه في سفر الحياة ويجعله في رعية المسيح “لكي يعترف لك ساجداً وممجداً اسمك العظيم المتعالي ويسبحك كل حين جميع أيام حياته”.
هدف المعمودية هو استعادة الحياة الحقيقية. من هنا يبدأ العمل على تحقيق هذا الهدف.
الاستقسامات:
أي صلوات طرد الشياطين. وهي ثلاث صلوات يتلوها الكاهن على المزمع تعميده لكي يطرد عنه “كل روح شرير نجس مخفي معشش في قلبه، روح الضلالة، روح الشر، روح عبادة الأصنام وكل شرَهٍ واستكثار، روح الكذب وكل نجاسة مفعولة بحسب تعليم إبليس”.
من الناحية الروحية، الشر ليس أمراً نظرياً فقط، بل هو أمرٌ يُواجَه ويُحَارَب. هكذا فعل الرب مع الشر، تجسد وصُلِب وغلب الخطيئة على الصليب. في الاستقسامات نواجه الشرير نعرف قوّته، لكننا نثق بقدرة الله على تدميره.
الاستقسامات هي بداية المعركة التي تشكل أول بُعد من الحياة المسيحية، المعركة الدائمة مع الشرير.
ينفخ الكاهن في وجه الطفل ويطلب إلى الرب أن يبعد عنه الشياطين، استعداداً لإحلال المسيح في قلبه مكان الشرير.
رفض الشيطان:
بعد صلوات طرد الشياطين يأتي طقس رفض الشيطان. إن حياة المسيحي هي رفض وتحدٍٍ دائمان، رفض للشرير وتحد له ولقدرته. إنها حرب دائمة مع الشيطان، لذلك يطلب الكاهن من العرابين الاتجاه نحو الغرب لرفض الشيطان. قلنا سابقاً أن الشر ليس أمراً نظرياً إنما يواجه فعلياً. ففي الاستقسامات يساعدنا الكاهن على مواجهة الشرير، وهنا بالاستدارة نحو الغرب أنت تواجه الشرير وجهاً لوجه. لماذا الغرب؟ إنه غياب النور ورمز غياب الخير واستعلان قوى الشر وسكنى الشرير.
بعد أن يسأل الكاهن العرّاب ثلاثاً: أترفض الشيطان وكل أعماله وجميع ملائكته وكل عباداته وسائر أباطيله؟ يقول له انفث وابصق على الشيطان. هذا الطقس البسيط مهم جداً. أنت عندما تبصق على شيء فهذا يعني أن نفسك تمقت هذا الشيء وترفضه. وبما أنك تمقت الشيطان فأنت ترفضه فعلياً خلال المعمودية وتدير وجهك عنه، بالرفض والبصاق أنت تكسر الرباط القديم مع الجحيم وتعلن الحرب على الشرير وتبدأ الصراع معه.
قبول المسيح: رفض الشيطان هو مقدمة لقبول وموافقة المسيح. صار قلبك نقياً خالياً من كل وساخة ومستعداً لقبول سكنى المسيح فيه. هنا يطلب الكاهن من العرابين الاستدارة نحو الشرق. التوجه نحو الشرق يعني تحول الإنسان نحو الفردوس المقام في تلك الجهة، نحو المسيح نور العالم وشمس العدل. يقول القديس كيرلس الأورشليمي: “عندما ترفض الشيطان بالكلية وتنقض كل عهد مقام معه، أي تلك المعاهدة القديمة مع الجحيم، ينفتح فردوس الله الذي زرعه باتجاه اشرق وأُقصي عنه أبونا آدم بسبب خطيئته. “الشرق مهم لأن الرب في مجيئه الثاني سوف يأتي من المشارق إلى المغارب. بعد سؤال الكاهن للعراب ثلاثاً إذا كان يوافق المسيح ويؤمن به، يعلن العراب أنه يؤمن بالمسيح ملكاً وإلهاً ويتلو دستور الإيمان “أؤمن بإلهٍ واحدٍ…” يعلن إيمانه بالآب والابن والروح القدس وبمعمودية واحدة. ثم يسأله مجدداً أوافقت المسيح؟” ويطلب منه أن يسجد له فيجيب: “أسجد للآب والابن والروح القدس، الثالوث المتساوي في الجوهر وغير المنقسم”. عندما رفض العراب الشيطان بصق عليه، وهنا يسجد للمسيح رمزاً للطاعة والاحترام والمحبة للرب، ورمزاً للتواضع والالتزام. القديس يوحنا الذهبي الفم يقول عن هذه المرحلة: “لقد وقّعنا عهداً مع المسيح ليس بالحبر ولكن بالروح، ليس بالقلم لكن بكلمتنا… اعترفنا بسيادة الله ورفضنا عبودية الشيطان”.
مباركة هي مملكة الآب والابن والروح:
هذا الإعلان لعقيدة الثالوث الأقدس فيه دعوة للموعوظ للدخول إلى مملكة الثالوث. هدف مسيرته هو الملكوت والمعمودية تفتح له أبواب هذا الملكوت. الملكوت ليس حدثاً مرتبطاً بالمستقبل، بل يتذوقه الإنسان مسبقاً في الكنيسة، والمعمودية تدخلنا في عضوية جسد المسيح أي الكنيسة.
في المباركة نعلن أن الملكوت هو هدفنا ومبتغانا، ليس أننا نباركه ونقدسه، بل نعلن أنه مبارك وبالتالي هو مشتهانا ومقصد حياتنا. فعل البركة يعني فعل المحبة الهادفة المشدودة إلى من تحب. أن تبارك يعني أن تقبل بمحبة وأن تتحرك باتجاه ما قبلت وأحببت. دعوة لنا لأن ندخل إلى ملكوت الله المثلث الأقانيم والمشاركة في حياته الإلهية. وهذا هو هدف المعمودية في نهاية المطاف. نختار أن نكون أبناء الله، أبناء الملكوت، ونبتعد في هذه الحياة عن كل ما يبعدنا عن هذا الهدف.
أخيراً هذا الإعلان العقائدي يظهر لنا تثليث الأقانيم مع وحدة الجوهر، إذ يقال “مملكة” واحدة وليس “ممالك”. ويقال “مملكة الآب والابن والروح القدس” لأن مملكة الآب هي نفسها مملكة الابن والروح القدس.
مباركة المياه:
المياه هي مادة السر، وهي تمثل عالم المادة. إنها رمز للحياة والعيش، هكذا أرادها الله عند الخلق. فلا حياة بدون ماء. لكن هذه المياه، بعد السقوط (الخطيئة)، صارت أيضاً رمزاً للدمار والموت كما في أيام نوح.
في صلاة تقديس المياه يصلي الكاهن لكي تعود المياه إلى ما كان يقصد منها الله عند الخلق، أي أن تكون مصدراً للحياة. يطلب الكاهن من الله أن يجعل هذا الماء ينبوعاً لعدم الفساد وموهبةً للتقديس وفداءً للخطيئة وإكسيراً للأمراض وطارداً للشياطين. وأن يظهر هذا الماء حميماً لإعادة الولادة. نعمةً للتبني، ينبوعاً للحياة.
الماء هو رمز للنظافة والتنقية، يغتسل به الإنسان لينظف جسده. وفي المعمودية تستعمل المياه بالتحديد لغسل الإنسان من الخطيئة ولتنقيته.
خلع الثياب:
بعد مباركة المياه يطلب الكاهن من العرابين أن ينزعا عن الطفل ثيابه. بالنسبة للقديس كيرلس الأورشليمي خلع المستعد للاستنارة ثيابه هو صورة لخلع الإنسان العتيق الخاطئ والفاني. إذا كانت المعمودية موتاً وقيامة مع المسيح، فإن عرينا هو للمسيح العاري على الصليب. إنه أيضاً صورةً لآدم وحواء اللذين كانا، قبل السقوط، عاريين وبلا خجل، أي في حالة البراءة الأصلية.
الدهن بزيت الابتهاج:
أثناء خلع ثياب الموعوظ يتلو الكاهن صلاة لتبريك الزيت كي يدهن به الطفل، يطلب فيها من الله أن يبارك هذا الزيت “بقوة وفعل وحلول الروح القدس حتى يكون مسحة لعدم الفساد .. وتجديداً للنفس..”. كان الزيت دائماً رمزاً دينياً أساسياً، قيمته تنبع من أهميته العملية واستعماله. فهو يُستعمل أولاً كدواء كما نقرأ في مثل السامري الصالح (لو10: 29-37) الذي سكب زيتاً وخمراً على جروح الرجل الذي وقع بين أيدي اللصوص. هو أيضاً مصدر طبيعي للنور وبالتالي للفرح. كذلك يرمز الزيت للمصالحة والسلام. وهكذا يصبح الموعوظ مستعداً لاقتبال النور الإلهي، نور المسيح، نور الحياة الأبدية وهذه هي المصالحة والسلام مع الله. القديس امبروسيوس أسقف ميلان وغيره من آباء الكنيسة يشبّهون دهن جسد الموعوظ بالزيت بدهن جسد المصارع قبل نزوله إلى حلبة القتال. صراع الموعوظ هو مع الشرير حيث سيواجهه في الحياة.
بعد مباركة الزيت يمسح الكاهن الموعوظ بالزيت أولاً على جبهتيه وعلى صدره “لشفاء النفس والجسد”، ثم على أذنيه “لسماع الإيمان”، ثم على يديه قائلاً “يداك صنعتاني وجبلتاني”، وأخيراً على رجليه قائلاً “ليسلك في سبيلك يا رب”.
المعمودية والتغطيس الثلاثي:
بعد الدهن بالزيت يأخذ الكاهن الموعوظ ويعمّده بالتغطيس الثلاثي قائلاً: “يعمَّد عبد الله.. على اسم الآب والابن والروح القدس”.
يقول بولس الرسول: “أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع اعتمدنا لموته فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك في جدة الحياة. لأنه إن كنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته”(رومية6: 3-5). فنحن إذاً عندما ننزل تحت الماء نموت مع يسوع، ندفن الإنسان العتيق فينا، المجبول بالخطيئة، لنقوم معه متجددين بالروح القدس. نُدفن مع يسوع بنزولنا تحت الماء، ونقوم بخروجنا منها. لهذا نغطس ثلاثاً رمزاً لدفن يسوع الثلاثي الأيام. يقول القديس كيرللس الأورشليمي عن التغطيس: “المعمودية ليست تنقية من الخطايا ونعمة للتبني فقط، ولكن أيضاً صورة لآلام المسيح”. المعمودية هي موت أنانيتنا وكبريائنا وهذا هو الموت” على شبه موت المسيح”.
الكنيسة الأولى وعت ارتباط المعمودية بموت وقيامة المسيح لذلك كانت معمودية الموعوظين (المستعدين للدخول في الإيمان المسيحي) تتم فقط ليلة عيد الفصح. فالفصح هو العبور من العبودية إلى الحرية، من الظلمة إلى النور، من الموت إلى الحياة، ومن القهر إلى الملكوت، والمعمودية هي الفصح الشخصي ننال حرية أبناء الله ونرث الحياة الأبدية في الملكوت حيث النور الأزلي.
اللباس الأبيض:
بعد التغطيس يُلبَس المعمود ثوباً أبيض رمزاً لحياة القيامة التي عبر إليها وللبراءة التي يجب أن تميّزه. قبل المعمودية خلع المعمود الإنسان العتيق والآن يلبس الإنسان الجديد واضعاً أمام عينيه هدفاً وحيداً: المسيح. لقد تعمدنا لجدة الحياة والثوب الأبيض تعبير عنها. إنه الثوب البراق الملوكي ثوب الملائكة، حلة عدم الفساد. لقد استعيد المعمود من جديد ملكاً في الملكوت. إنه رمز النقاوة والطهارة والبر التي يجب أن يسعى إليها كل مسيحي. القديس امبروسيوس يقارن حلة المعمودية بثياب يسوع على جبل ثابور. أثناء لبس الحلة البيضاء ترتل هذه الترنيمة: “امنحني سربالاً منيراً، يا لابس النور مثل الثوب، أيها المسيح إلهنا الجزيل الرحمة”.
الميرون:
بعد المعمودية يمسح الكاهن المتنصر بالميرون المقدس في عدة أماكن من جسده، ويقول في كل مرة: “ختم موهبة الروح القدس”. إذا كانت المعمودية هي موتنا وقيامتنا مع المسيح فإن مسحة الميرون هي العنصرة الشخصية لكل واحد منا. والعنصرة هي تحقيق لما حصل يوم القيامة.
الميرون المقدس ليس سراً منفصل مختلفاً عن سر المعمودية كما أنه ليس جزءاً يمنح نعمة غير ضرورية. إنه تحقيق لما تمّ في المعمودية حيث أدخلنا إلى الملكوت. هنا نختم على أننا أبناء الملكوت، إننا من رعية وقطيع يسوع المسيح. يطبع علينا ختم موهبة الروح القدس. “إننا نأخذ بالموهبة ما أخذه المسيح وحده بالطبيعة، أي الروح القدس الذي منحه الآب للابن منذ الأزل، والذي حلّ على المسيح وعليه وحده، في الأردن، معلناً أنه هو الممسوح وهو الابن المحبوب والمخلص”.
وهكذا يتحقق وعد السيد المسيح: “يأخذ مما لي ويطلعكم عليه. جميع ما هو للآب فهو لي، لذلك قلت لكم أنه يأخذ مما لي ويطلعكم عليه (يو16: 14-15).
القديس غريغوريوس النيصصي يتحدث عن الختم على أنه “ضمانة حفظنا وعلامة ملكيتنا” أي أنه يحافظ ويدافع عن محتوانا الثمين، وبه نكون خاصة الآب ونتخذ أبناء له، به نصبح هياكل للروح القدس. هذا الختم هو علامة انضمامنا إلى معسكر يسوع المسيح، وأننا صرنا جنوداً له، وأن معركتنا الأبدية هي مع الشرير وهو حافظنا في هذه المعركة.
الزياح:
بعد الميرون يأتي الزياح حول جرن المعمودية حاملين الشموع ومرتلين “أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم”. القديس غريغوريوس النيصصي يقول إن الزياح هو الدخول إلى الهيكل السماوي، إلى الملكوت.
إنه عبور من هذا العالم إلى عالم الله. الزياح الدائري رمز للفرح الروحي والأزلي. الدائرة لا بداية ولا نهاية لها، كما أن الملكوت لا بداية له ولا نهاية، أزلي.
ندور ثلاث مرات في توقير دائم للثالوث الأقدس.
الشموع صورة لقناديل العذارى العاقلات المستعدات للدخول مع العريس إلى الملكوت. هكذا المعمود مستعد للدخول إلى ملكوت المسيح. نفوسنا مستنيرة كالعذارى حاملة نور الإيمان. في نهاية الزياح تقرأ الرسالة والإنجيل حيث نسمع كلمة الله الموجهة لنا بما يخص المعمودية المقدسة.
المناولة:
بعد قراءة الإنجيل يتقدم العراب حاملاً المعمود متجهاً نحو الباب الملوكي لتتم مناولة المعمود جسد ودم الرب المقدسين وتعتبر هذه المناولة الأولى للطفل. ومهمة الأهل هنا أن يأخذوا الطفل معهم كل أحد على الأقل للمشاركة في القداس وتناول جسد ودم الرب يسوع، للنمو في النعمة والقامة عند الله، وذلك بعد غياب دور العراب في هذا الموضوع.
في الماضي كانت تتم المعمودية ليلة الفصح كان يدخل المعمّدون حديثاً في زياح إلى الكنيسة ويأخذون أماكنهم للاشتراك في القداس الإلهي مع باقي جماعة المؤمنين، أي الكنيسة، ويشتركون في المناولة لكي يصيروا واحداً مع المسيح ومع الجماعة في آن، ويصيروا “شركاء الطبيعة الإلهية” (2بطرس 1: 4). المعمودية تدخلنا إلى الملكوت، وفي المناولة نشترك في مائدة الملكوت السماوية، مائدة الرب، ونصير أعضاء في جسد المسيح نصير أبناء الملكوت ولا نعود أبناء “هذا العالم”.
غسل المعمود:
على المعمد حديثاً أن يشهد للمسيح في هذا العالم. صحيح أن الكنيسة ليست من هذا العالم، ولكنها تشهد للمسيح في هذا العالم، وقد أسسها الرب وأرادها لتبقى في هذا العالم إلى منتهى الدهر، معلنةً الخلاص والملكوت.
يغسل الميرون المقدس عن الطفل لكي لا يبقى زيت الميرون المقدس على المعمود ويستهتر به. وفي حال غسل المعمود في المنزل يطلب من الأهل وضع ماء الغسل في مكان لا تدوسه قدم لأنه مقدس بالميرون. يقول الكاهن: “قد تبررت، قد استنرت، قد تقدست، قد اغتسلت باسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلهنا”. يُغسل المعمود بعد نيله موهبة الروح القدس تحضيراً لعودته إلى العالم لكي يشهد فيه للمسيح وللملكوت الذي في داخله.
المتروبوليت بولس يازجي