حديث المسيح لنا اليوم في الإنجيل المبارك حديث عن الشكر: بُرصٌ مصابون بمرض كان فتّاكًا آنذاك، برص عشرة لا يعود منهم إلا واحد، وكان غريبًا عن دين اليهود، ليشكر الرب لهذا الشفاء الذي نال. بهذا يعلّمنا الإنجيل أن المؤمن يعلم ان الله أعطاه كل شيء وأن كل ما يصنعه من خير إنما يأتي من الرب، من نعمة منه ومن فضل كبير. ولهذا اذا عرفنا أن الله يلتفت الينا بالكرم، نحن بدورنا نتوجه الى الله بما يقابل الكرم اي الشكر.
ان أهم صلاة عندنا، اي القداس الإلهي، تُدعى سرّ الشكر. المناولة او القرابين هي سرّ الشكر. نجتمع لنقول للآب: بحق واجب نشكرك ونحمدك لأنك أنت أبرزتنا من العدم الى الوجود، لأنك انت خلقتنا. جئتَ بنا الى النور، وهذا فضل منك. إنك أظهرتنا في هذه الدنيا وجعلتنا خلفاء لك فيها مسؤولين عن رعايتها. جعلتنا أشداء لنحكم الأرض ونردّها إليك. من أجل هذا نحن شاكرون.
لا نشكر لأن الله أعطانا المال. هذا كلام غير وارد في الكتاب الإلهي. فالمال قد يأتي من الله وقد لا يأتي من الله بل من الكيد والسرقات ومن إرث، وليس لنا فضل في الإرث. لم يقل آباء الكنيسة “هذا أنعم عليه الله بالمال”، بل قالوا عن انسان ان الله أنعم عليه بالفقر، بفقر يقرّبه من الله. في كل حال لا نشكر في الكنيسة من أجل المال. نشكر من أجل الطبيعة هذه التي خرجت من يد الله. ولا نشكر من اجل الصحة. الصحة ليست دائمًا مفيدة، وتكون أحيانًا طريقنا الى الخطيئة. لذلك نشكر ايضًا من أجل المرض لأنه في كثير من الأحيان يكون عند المؤمن سبيلا الى التوبة. ما يقرّبنا من الله، هذا من أجله نشكر.
في القداس الإلهي نشكر من أجل أهم شيء حدث عبر التاريخ اي الفداء، فنقول: نشكرك من أجل هذه الذبيحة الإلهية التي أعطيتنا… وفي الليلة التي فيها أُسلم المسيح والأولى انه أَسلمَ ذاته من أجل حياة العالم، إذ أخذ خبزًا بيديه المقدستين الطاهرتين البريئتين من العيب وشكر وبارك وقدّس… شكر المسيح من أجل الخلاص ، ولكونه شكر، اي لكونه عاد بالروح الى أبيه، استطاع ان يعطينا.
الله بعطائه يربّينا، يربّينا بما يعطي ويربّينا بما يحرُم. المحب يؤدب ابنه، والوالد يؤدب ابنه بوسائل شتّى: يُفهّمه ويدلّله ويعاقبه. المهم أن يتهذب ابنه. ما عدا ذلك كله وسيلة. اذا ما ضرب الله فهو يضرب لأنه يحب. ولهذا نحن نشكر الله عندما نمرض وعندما نموت. نشكر في كل حال. نشكره ونصبر. وهكذا ننسجم مع قوّة الله. الكون كله مشروع الله، ونحن كلما أطعنا وصبرنا واحتملنا يُنفّذ مشروع الله للكون من خلالنا نحن. ولهذا نصلّي حتى نعتاد إرادة الله فينا، نعتاد ما يريده الله ليربّينا على أفكاره. نصلّي لنأخذ فكر الله، ونشكر لأننا نشعر أننا فقراء الى الله. أهم نعمة يهبنا إيّاها الله أن نشعر أننا فقراء، محتاجون اليه في كل لحظة، في كل وقت، في الصحة وفي المرض، في الجمال، في البشاعة، في كل وقت نحن فقراء اليه ولهذا نشكره. “نشكر الله الآب الذي أَهّلَنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أَنقذَنا من سلطان الظلمة الى ملكوت ابن محبته” (كولوسي ١: ١٢-١٣).
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيتي”، العدد 3، الأحد 19 كانون الثاني 2014