اقتبست الكنيسة هذا المثَل من إنجيل لوقا لتُدخلنا في موسم التوبة. حكى يسوع عن فريسيّ، والفريسيون جماعة كانت تفتخر بمحبتها لله وكانت تستكبر. جاء يسوع ليضرب المستكبرين ولو كانوا طاهرين. الكبرياء تُلغي كل طهارة. استكبر الفريسي على العشّار. أنتَ لا تدّعي التقوى بل تعتبر نفسك دنسًا حتّى آخر رمق من حياتك. لا تقدر أبدًا أن تعتبر نفسك قديسا. الله يرى القديسين.
لا تقدر ان تفتخر بشيء أبدًا لأنك إن عملتَ صالحًا فهذا من الله، من نعمته، ليس لك فضل. الشيء المتروك لنا هو أن نقول «اللهم ارحمني أنا الخاطئ». ما من قديس ارتفع أبدًا إلى مرتبة القداسة لأنه ظنّ انه شيء. كل قديس يعتبر نفسه آخر الناس. لا تقدر ان تفتخر، لأن هذا من الله، النعمة جعلتك قديسًا.
لا تقدر ان تقول لله: أنا بنيت كنائس ومستشفيات وعلّمت الأيتام. أنتَ تقول لله: انني لست شيئا، وتحسّ انك لا شيء. إن كنتَ واعيًا روحيا، تعتبر نفسك خاطئا. القديسون كانوا يعتبرون أنفسهم خطأة. «ارحمني أنا الخاطئ» هي الكلمة الوحيدة التي نقدر أن نقولها لله. عندما تعتبر نفسك ترابًا، تصير شيئًا. الله يرفعك. الله صديق المتواضعين، ولا يحب المتكبّرين.
يقول كثيرون انهم من عائلة شريفة وتقيّة. ما هذا! الله يعرف القلوب والكلى، «فاحص القلوب والكلى» بعدل. وأنت لا تعرف شيئًا. تعرف شيئا واحدا أنك خاطئ. الشيء الوحيد الواضح في حياتنا أن نعرف اننا خطأة.
كنت أَسمع دائمًا في المجتمعات الأرثوذكسية: اننا جيدون وصالحون. يفتخر الناس لأنهم سخفاء، غير محبّين لله ولا يعرفون خطاياهم. «ارحمنا نحن الخطأة» هو الشيء الوحيد الذي نعرفه.
إذا دخلنا في موسم التوبة لا بد لنا ان ننظر إلى سقطاتنا ودنَسنا ونعرف اننا آخر الناس. من لا يعرف نفسه انه آخر الناس يحتاج إلى خُطى عظيمة حتى يقرُب الى المسيح. سنُعمّق توبتنا ونُدرك أننا خاطئون. هذا هو الأمر الوحيد الذي نعرفه عن أنفسنا: اننا خطأة.
وهكذا نسير إلى التوبة. ما معنى التوبة؟ التوبة هي الرجوع. التوبة ان نترك الخطايا التي نحن غارقون فيها. عرفتُ في حياتي خطأة يحبّون خطاياهم. الزاني يحب الزنى كثيرا. الكاذب يحب الكذب كثيرا. كل إنسان يحب خطيئته. بعض الناس يتوبون. عسى ان نتوب جميعًا بالعمق. هل وقف أحد منكم قبل ان ينام وقال لله: «أنا لست شيئا، أنا تافه»؟ إن لم تصلوا إلى هذا الحدّ وتفكّروا هكذا، تكونون ما زلتم بعيدين. إذا لمحتم أن عندكم شيئا جيدا، قولوا: ربُّنا أَعطاني إياه.
التوبة الحقيقية بالعمق ان تكون عيناك شاخصتين إلى يسوع في كل حين، لا ترى غيره، ولا تعرف غيره، ولا تحب غيره. إذا وصلنا إلى هذه الدرجة، إلى أن نُسلم أنفسنا اليه، أن لا نرى غيره في الوجود، نكون قد فهِمنا كل شيء، ويكون الله أَحبَّنا كثيرا.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
الرسالة: ٢تيموثاوس ٣: ١٠-١٥
يا ولدي تيموثاوس، إنّك قد استقريتَ تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبّتي وصبري واضطهاداتي وآلامي، وما أصابني في أنطاكية وإيقونية ولسترة، وأيّة اضطهادات احتملتُ وقد أنقذني الربّ من جميعِها، وجميعُ الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهَدون. أمّا الأشرار والمُغوُون من الناس فيزدادون شرًّا مُضِلّين ومُضَلّين. فاستمرّ أنت على ما تعلّمته وأَيقنتَ به، عالمًَا ممّن تعلّمت، وأنّك منذ الطفوليّة تعرف الكتب المقدّسة القادرة أن تُصيّرك حكيمًا للخلاص بالإيمان بالمسيح يسوع.
الإنجيل: لوقا ١٨: ١٠-١٤
قال الرب هذا المَثَل: إنسانان صعدا إلى الهيكل ليُصلّيا، أحدهما فرّيسيّ والآخر عشّار. فكان الفرّيسيّ واقفًا يصلّي في نفسه هكذا: «أللهمّ إنّي أَشكرُك لأني لستُ كسائر الناس الخَطَفة الظالمين الفاسقين ولا مثل هذا العشّار، فإنّي أصوم في الأسبوع مرّتين، وأُعشّر كلّ ما هو لي». اما العشّار فوقف عن بُعدٍ ولم يُردْ أن يرفع عينيه إلى السماء، بل كان يقرع صدره قائلا: «أللهمّ ارحمني أنا الخاطئ». أقول لكم إنّ هذا نزل إلى بيته مبرّرًا دون ذاك، لأنّ كل مَن رفع نفسه اتّضع، ومَن وضع نفسه ارتَفَع.