“حياتنا مُسْتَتِرَة مع المسيح في الله” (كولوسي 3: 3)
المسيحُ الإلهُ أتى وتألَّم وصُلِبَ وقامَ من بين الأموات، كلّ ذلك من أجل خلاص كلّ العالم، من أجل كلّ إنسان.
لا مجال، إذًا، لا للقَوْمِيَّةِ ولا للمَذْهَبِيَّة… كلّ إنسان مَعْنِيّ أمام الله، إن عرف الله أو لم يعرفه، مهما كان جنسه وعرقه أو دينه. الكتاب المقدّس يؤكِّد على كرامة كلّ إنسان مخلوق على صورة الله. صحيح إنَّ اليهود كانوا معروفين بأنَّهم شعب الله المُخْتَار. إنَّما كانت هذه مرحلة تاريخيّة استخدمهم الله فيها كوسيلة لكي يأتي بالجسد، ويجعل من كلّ شعبٍ يؤمن به شعبًا خاصًّا له. لذلك، يقول الرَّسول بولس: “ليس يهوديّ ولا وثنيّ، ليس عبدٌ ولا حرٌّ، ليس ذكر وأنثى، لأنَّكم جميعًا واحدٌ في المسيح يسوع” (غلاطية 3: 28).
نعم أنَّ المسيح، إنْ عرفه كلّ انسان وآمن به أو لم يعرفه أو لم يؤمن به، هو مَبْذُور في قلب كلّ بَشَرٍ، وحتَّى مرسوم على كلّ وجه بشريّ:
يقول القدِّيس دوروثاوس، في كتابه “التَّعاليم الرّوحيّة”: “افترِضوا دائرةً مركزها الله، والشُّعَاعَات هي الطُّرق المختلِفَة. كلّ إنسان من العالم المخلوق يسير على أحد الشُّعَاعَات نحو المركز، حيث المسيح الإله (إنْ أَدْرَكَ ذلك أو لم يُدْرِك)، يقتربُ من أخيه الإنسان السَّائِر على شعاعٍ آخَر نحو الله، المركز نفسه. وكلّما ابتعدنا عن بعضنا البعض، ابتعدنا، بالتَّالي، عن الله” (راجع: التَّعاليم الرّوحيّة، صفحة 92).
* * *
التّصرّفات العنصريّة متأصِّلَة في واقع الخطيئة منذ البدايات البشريّة. معروف عند الجنس اليونانيّ القول المأثور:
“ا لّذي هو غير هِلِّينيَ يكون بربرِيًّا “. هذه العنصريّة مزروعة في دمنا، نحن البشر الضّعفاء، لكنّ المؤمن بالمسيح ينبذها، ويحاربها بسلاح الكلمة الإنجيليّة: “أَحِبُّوا أعداءَكم بارِكُوا لاعِنِيكُم، صَلُّوا من أجل الَّذين يُسِيئُون إليكم” (متَّى 5: 44).
“ذُرِّيَّةُ آدم كلّها معنِيَّة بالخلاص، فقد تجدَّدَتْ في المسيح”، بحسب القدّيس ايريناوس. كان المسيحيُّون الأوَّلُون يرى فيهم النّاس شعب “العِرْق الثَّالِث”، على حدِّ تعبير ترتليانوس، بالمعنى الرُّوحيّ، أي “شعب جديد” يلتقي فيه العرقان البشريّان: اليهود والوثنيّون. لذلك، كلّ تَفْرِقَةٍ، مُرْتَكِزَة على العِرْق أو على الدِّين، مرفوضة من وجهة نظر مسيحيّة. القريب ليس هو، فقط، الإنسان الَّذي من قبيلتي أو من محيطي أو من ديني، بل هو كلّ إنسان أَلْتَقِيهِ في دَرْبِي. لذلك، علينا احترام الغرباء، والقبول بالحوار والمشاركة والتّعاون مع الإثنيَّات الأُخْرَى.
لقد حاوَلَتْ أوروبا أن تنبذ مثل هذه التَّفريقات، بعد الثَّورة الفرنسيّة، ذلك باعتناقها العَلْمَنَة، لكنّها سقطت في الاِنحراف إذ نبذت، في الوقت نفسه، كلّ القِيَمِ الدِّينيّة الإلهيّة. لقد أَشْرَكَ المسيح في خلاصِه جميع المنبوذين، كالسَّامِرِيِّين والوثنيِّين، أمثال المرأة الكنعانيّة، فعلينا أن نتمثّل به. للمدرسة دور بارِزٌ في العمل على امتلاكِ ضميرٍ لا عُنْصُرِيّ، ذلك عن طريق التّربية المدرسيَّة، بالتّركيز على ما هو مُشْتَرَك بين جميع النَّاس، وأنَّ الآخَر بتميُّزِه عَنَّا يمكنه أن يكون مصدر غنًى لنا.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
عن “الكرمة”، العدد 12، الأحد 22 آذار 2015
العُنْصُرِيَّة من وجهةِ نظرٍ كَنَسِيَّة