الشياطين تستخدم الأحلام لكي تسبب لنا الاضطراب والأذى للنفس. عندما ينام الإنسان، دبّر الله أن يكون بكّليته في راحة تامة لدرجة أنه يفقد الإحساس بوجوده و ينسى نفسه، وتتوقف أثناء النوم كل الأفعال الناجمة عن الإرادة والمنطق ويستمر فقط ما هو ضروري للحياة، أي يبقى الدم في حركته داخل الجسم والمعدة تهضم والرئتان تعملان والجلد يستمر في إفراز العرق.
وفي النفس يستمر توّلد الأفكار والخيالات والمشاعر ولكن لا بتوجيه المنطق والعقل والإرادة بل بفعل الطبيعة.
ومن هذه الخيالات تحصل الأحلام . فالحلم هو شيء غير طبيعي، كما لو أنه لا ينتمي إلى نظام الخيال أو المنطق لدى الإنسان . بل كما لو أنه يحصل من نفسه وله خاصيّته فأحياناً يكون الحلم نتيجة أفكار وخيالات وأحياناً ينطبع بما قد رأيناه.
وهكذا فالحلم بحد ذاته لا يمكن أن يملك أي معنى ومن الجهل أن يتمنى البعض رؤية المستقبل ضمن الأحلام.
هنا تأثير الشياطين، حيث تستطيع مهاجمة نفوسنا أثناء اليقظة وهم على الأكثر يستطيعون ذلك أثناء النوم أيضاً.
فهم أثناء النوم يزعجوننا ويحاولون دفعنا إلى الخطيئة، وإذا رأونا نعطي أهمية للأحلام يحاولون أن يجعلوا أحلامنا ذات معنى وثقتنا بأحلامنا تقودنا شيئاً فشيئاً إلى الغرور وتصبح لدينا فكرة عظيمة عن أنفسنا ويصبح سلوكنا العام غير صحيح وهذا ما يريده الشياطين.
يقول القديس باسيليوس الكبير إن التخيلات خلال النوم ما هي في الغالب إلا صدى لأفكار النهار وهو يعني بذلك إن معظم التخيلات (الأحلام) أثناء النوم هي صدى الفكر اليومي. والمشاغل الشريرة والأفكار الشريرة في النهار تنشيء الأحلام الشريرة. يحدث هذا الأمر كذلك في الأعمال الصالحة. فممارس الرياضة الروحية وإنسان الله إجمالاً يشغل فكره في الصلاة إلى الله طول النهار ، فمن الطبيعي أن يفكر قلبه بالله وأن يصلي إليه تعالى أثناء ساعات راحته الليلية . (من كتاب أمسية في برية الجبل المقدس آثوس)
قال القديس غريغوريوس الذيالوغوس لتلميذه بطرس : اعلم أن الصور والأشكال التي تتراءى للنفس أثناء الأحلام ناجمة عن ستة أشياء:
1. عن امتلاء البطن
2. عن الجوع الشديد
3. عن أفكار النهار
4. عن هزء الشياطين
5. عن الأفكار والهزء معا ً
6. عن إعلانات إلهية.
فلو كانت الأحلام تخلو من الخطر الذي يسببه العدو الخفي لما جعل الحكيم سيراخ ينوه به قائلاً “كثيرون ضللتهم الأحلام وسقطوا لوضع رجائهم عليها” (سي31 :7) ويحذر الحكيم أيضاً من تعاطي السحر والاهتمام بالأحلام (31 :5) فانه إذ يعلم أن الأحلام تسببها الأفكار وهزء الشياطين يشرح قائلاً إن الأحلام توّلد اهتمامات كثيرة وتشغل الإنسان عن التفكير بقضية خلاصه.
قال القديس انطونيوس للقادمين إليه من الاخوة : ينبغي ألا تصدقوا كل ما تقوله الشياطين ولو بدت لكم أنها تتنبأ عن بعض الأمور. فهي تتنبأ أحياناً كثيرة بقدوم اخوة مسافرين وتحدد يوم وصولهم وكان يتم ذلك. لكنها تقوم بذلك لا اهتماماً بمن يسمعون لها وانما لتجعلهم يصدقونها لكي تستعبدهم وتقودهم إلى الهلاك. فعندما تتنبأ عن المستقبل ينبغي ألا نصغي لها ، وان نكذبها لأننا لسنا بحاجة إليها. فما العجب إذا شاهدت الشياطين أناساً قد باشروا السير في الطريق وسبقت مخبرة بقدومهم ؟ هذا الأمر يمكن أن يفعله إنسان راكب على حصان ، لان الحصان كما تعلمون يسبق الرجل الماشي على قدميه.
ينبغي ألا يدفعنا ذلك إلى التعجب من الشياطين ، فإنها لا تعرف شيئاً قبل حدوثه. فمهما شاهدت فإنها تختطفه كما يفعل اللصوص وتسرع لتخبر به. ويمكن أن يفعل هذا الأمر إنسان يجري بسرعة اكثر من إنسان آخر بطيء المشي. واقصد بكلامي هذا أنه ما لم يبدأ أحد بالمشي لا تعرف الشياطين إذا كان ينوي على المشي أم لا. لكن متى شاهدته ماشياً أسرعت إلى المكان الذي يقصده وأخبرت بقدومه قبل أن يصل إلى هناك. وهكذا تتحقق نبوءة وصوله بعد أيام معدودة. غير انه كثيراً ما يحدث للمسافر أن يرجع من منتصف الطريق ، ربما بتدبير إلهي، فيفتضح كذب الشياطين وينخدع أولئك الذين كانوا يصغون لها. على هذا الأساس استندت عرافات اليونانيين الذين ضللتهم الشياطين قديماً. أما الآن فقد بطلت ضلالة الشياطين بالكلية بمجيء الرب الذي قهرها وأبطل كل حيلها.
فالشياطين أذن لا تعرف شيئاً من ذاتها ، وانما تنقل كل ما تشاهده عند الآخرين كما تفعل الجواسيس. أنها لا تعرف الحوادث قبل حدوثها وانما تستنتجها. لهذا السبب إذا صدقت في بعض الأحيان ، ينبغي ألا يتعجب منها أحد. ونلاحظ هذه المقدرة عند الأطباء الذين يعرفون من خلال خبرتهم طبيعة الأمراض وتطورها. فإنهم عندما يرون أنساناً مصاباً بمرض سبق لهم وعالجوه مراراً عديدة يعرفون حالاً عوارض المرض وتطوراته من خلال خبرتهم.
وكذلك البحارون والمزارعون يعرفون إذا كان الطقس سيمطر أم لا من خلال ملاحظتهم التغيرات الجوية ، مع العلم انه لا يجوز لأحد أن يقول قد عرفوا ذلك بإلهام إلهي ، ولكن من خلال الخبرة والعادة.
إن الأحلام التي يريها الله للنفس لكثرة محبته لها تدل على أنها في حالة سليمة ثابتة. لهذا فهي لا تتغير من شكل إلى آخر ، ولا تسبب الضحك ولا العبوس ، وانما تدنو من النفس بهدوء ولطف وتملأها نشوة روحية طيبة حتى إذا استيقظ الجسد ازداد شوقها إلى ما تذوقته أثناء الحلم من الفرح.
أما الخيالات الشيطانية فإنها على عكس ذلك بالكلية. فهي لا تثبت على شكل واحد، ولا تظهر صورة غير مشوشة وقتاً طويلاً. لان ما تفتقر إليه (من محبة، سلام، لطف). تحاول أن تصطنعه من نتاج تضليلها ، ومع ذلك لا تقدر أن تظهره بشكل متواصل أثناء الحلم. وتتكلم الشياطين أثناء هذه الأحلام بأمور عظيمة. فإنها تهدد أحياناً كثيرة وأحيانا أخرى ترتل للنفس بصراخ. لكن الذهن عندما يتنقى جيداً( بالصلاة ) يستطيع أن يدركها فيوقظ الجسد من النوم وهو هاجس بالإلهيات.
سأل أخ شيخا ً قائلاً : ما هي الخيالات الليلية أيها الأب ؟ فأجابه الشيخ : كما إن الشيطان يشغلنا أثناء النهار بأفكار غريبة لكي يصرفنا عن الصلاة والتأمل الصالح فانه يحاول أثناء الليل أن يشوش ذهننا بخيالات متنوعة كبيرة حتى يعطل هذا الشيطان صلاتنا الليلة.
وعن القديس أفرام السرياني قال : لا تصدق الأحلام الليلية يا عزيزي ، لان كثيرين ضللتهم الأحلام وسقطوا لاعتمادهم عليها. لنفحص أنفسنا جيداً لنرى إذا كنا قد وصلنا إلى مستوى يؤهلنا لرؤية الملائكة.
قد تكون الأحلام واضحة ورسالتها لا تحتاج إلى مفسرين كما هي الحال مع يوسف النجار. كما قد تكون الأحلام رمزية وبحاجة إلى تفسير كما هي الحال مع حلم يوسف ابن يعقوب “إني رأيت حلماً أيضاً وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ساجدةً لي” فانتهره يعقوب:”هل نأتي أنا وأمك وأخوتك لنسجد لك إلى الأرض” (تك9:37-10). كذلك حلم فرعون بالبقرات السمان السبع والنحاف السبع الذي فسره يوسف. وكذلك رؤيا الرسول بطرس (أع11:10-16) التي رآها ثلاث مرات متتالية لم يفهم بطرس معنى الحلم إلا حين أتاه من يدعوه للذهاب إلى قيصرية ليعمد كورنيليوس ففهم أن الإيمان هو للجميع بدون استثناء.
إن موهبة تفسير الأحلام والرؤى التي تحمل رسالة إلهية أعطيت لبعض الناس المحبوبين من الله والمقربين منه، كما هي الحال مع يوسف ابن يعقوب وحلم فرعون.
أما في مجال الأحلام العادية فالكتاب المقدس يحذر من الذهاب إلى العرافين أو السحرة أو الرقاة والمفسرين “لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ولا من يرقي رقية ولا من يسأل جانا او تابعة ولا من يستشير الموتى لان كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب”(تث 10:18-12).
لقد وعت الكنيسة مع الرسول بطرس في عظته الشهيرة بعد العنصرة أن الرب يعمل في بعض الأحيان من خلال الرؤى والأحلام ” يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما”(أع17:2). لكنها وعت أيضاً مع الرسول بولس ضرورة فحص كل روح. فقد دعا إلى امتحان”كل شيء” (1تسا21:5) إذا كان من الرب أم لا. لذا فإن الكنيسة تمتحن كل حلم يدَّعي أنه إلهي وتفحصه. فإذا كان هذا الحلم يحرض على الفساد ويدعو البشر إلى الابتعاد عن الله نحو الآلهة الباطلة فهو حلم كاذب ومن الشرير”إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلما وأعطاك آية أو أعجوبة ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلا لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم لان الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم. وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تتقون ووصاياه تحفظون وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون. وذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم. فتنزعون الشر من بينكم” (تث1:13-5)
تستخدم كلمة ” حلم” ست مرات في إنجيل متى، وجميعها تتعلق بشخص ربنا يسوع المسيح، فظهر ملاك الرب ليوسف ” في حلم قائلاً له يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حبل به فيها هو الروح القدس” ( مت 1: 20-23). كما أن الرب أوحى للمجوس ” في حلم أن لا يرجعوا إلى هيردودس” (مت 2: 12)، وحدث ” أن ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً: قم خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر..” ( مت 2: 13). وحدث مرة أخرى أن ” ملاك الرب قد ظهر ليوسف في مصر قائلاً : قم وخذ الصبي وأمه وأذهب إلى أرض إسرائيل” ( مت 2: 19و20). كما أن يوسف ” لما سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية .. إذ أوحي إليه في حلم انصرف إلى نواحي الجليل” ( مت 2: 22). كما أرسلت زوجة بيلاطس إليه تحذره قائلة: ” أياك وذلك البار لأني تألمت اليوم كثيراً في حلم من أجله” ( مت 27 : 19).
أما المرة السابعة والأخيرة التي ذكرت فيها ” الأحلام” في العهد الجديد، فهي ما جاء في كلام الرسول بطرس في يوم الخمسين اقتباساً من نبوة يوئيل: “ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً “( أ ع 2: 17).
ولا تذكر الأحلام بعد ذلك في العهد الجديد، فلم تعد وسيلة لتوصيل رسائل الله للناس، بعد أن أصبح الروح القدس يسكن في المؤمنين ويرشدهم إلى كل الحق المعلن لنا في كلمة الله، وما أروع القول: ” الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا هذه الأيام الأخيرة في ابنه” ( عب 1: 1و2)
تحرير وتجميع عن:
نشرة مطرانية اللاذقية
2004/2/1
والمقالة الشهرية لدير سيدة ينبوع الحياة
آذار 2006
ورسالة مطرانية حلب – الموقع القديم
www.orthodoxonline.org